بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 آذار 2023 12:00ص الكليبتومانيا: من الطفولة إلى مرحلة الرشد

حجم الخط
ليس هناك من اختلاف حول تعريف فعل السرقة لان الجميع يعلم انه فعل غير مقبول اجتماعياً ومحرّم دينياً، والقانون يعتبره جنحة تتراوح عقوبتها بين السجن لسنوات مع الاشغال الشاقة والغرامة المادية.
ولكن هذا الانحراف السلوكي لا يكون دائمًا بسبب الفقر والعوز والحاجات المادية كما هو متعارف عليه فبحسب علم النفس قد تكون السرقة اضطراب خطير  لحاجات نفسية اي عندما تصبح شكلاً من أشكال الادمان نعني تحديداً اضطراب «هوس السرقة» Kleptomania .
يعرِّف الدليل التشخيصي الخامس للامراض والاضطرابات النفسية DSM5 هوس السرقة بأنّه واحد من اضطرابات التخبط والتحكم في السلوك ،حيث يشعر الشخص المصاب به بلذة ومتعة شديدة عند سرقته لاي غرض يعجبه او يجذبه ولا يستطيع أن يمنع نفسه أو أن يتحكم في مشاعره وسلوكه لضبط نفسه.
مثال على ذلك: ان الشخص المصاب بهوس السرقة قد يكون ثريّا ولكنه عندما يرى غرض ما عند أحد سيشعر مباشرة بالقلق والتوتر الى حين ان يأخذه خلسة فتتم عملية الاشباع الفوري ،و هذا ما يمنحه الشعور بالمتعة المطلقة.
و لنفهم اكثر منشأ هذا الاضطراب لا بد أن نعود الى مراحل الطفولة بحسب علم نفس النمو :
١- خلال الطفولة الاولى : 
الطفل لا يفهم معنى السرقة ،لانه في هذه المرحلة لا يستطيع تمييز ممتلكاته عن ممتلكات غيره 
فهو عندما يتشارك مع طفل آخر في اللعب يظن انه اذا أعجِب بدمية ما مثلا ستصبح له ويمكنه أخذها لذلك هنا تسمى بالسرقة العفوية.
٢- خلال الطفولة الوسطى:
هنا يصبح الطفل قادراً أكثر على التمييز بين ما يمتلكه هو وما يمتلكه الاخر واذا ما استمر في تكرار فعل السرقة فهي تكون سرقة كيدية أي إما شكلاً من أشكال العدوانية وإيذاء الاخرين،إما نوع من الغيرة بسبب ولادة طفل جديد في العائلة،إما بسبب عدم الاكتفاء الذاتي وحرمانه من شراء الالعاب والدمى أو بسبب نقص عاطفي وللفت الانتباه مقابل لامبالاة الاهل سيبدأ بأخذ اغراض رفاقه دون انتباههم او اي شيء من منزل الاقارب او من مقتنيات الصف حتى أو من اجل تحقيق الذات ليكون قد اقتنى لعبة مشابهة للعبة رفاقه في المدرسة مقابل عدم قدرة الاهل على تأمينها له.
٣- خلال مرحلة المراهقة:
غالباً ما يكون فعل السرقة هنا هو بمثابة تحدي بين المراهق ورفاقه او تقليد لاحدهم او انه يكون قد اندمج بشخصيات المافيا التي دائماً تلفت المراهق بقوتها الظاهرة في الافلام وقدراتها الخارقة في الاستحواذ على اغراض الاخرين من خلال التخطيط لتنفيذ عملية السرقة بِـ «يدٍ خفيفة».
٤- خلال مرحلة الرشد: 
طبعاً نحن هنا أمام جنحة بالاضافة الى مجموعة من الاضطرابات النفسية ،فقد نجد شخص يقدم على سرقة النظارات الشمسية وليس غيرها وهذا ما نسميه بـِ «الغرض الوسواسي» فهو مثلا يترك قلادة الذهب ويتقصد ان يسرق النظارات علماً ان القلادة اثمن،و لكن الامر لا علاقة له بقيمة الغرض المادية بل باللذة والمتعة النفسية المربوطة بهذا الغرض،و هنا الامر يعود لتاريخ كل شخص النفسي.
فيمكن ان يكون مثلا اول غرض سرقه في حياته هو النظارات لذلك فإن رؤية النظارات تثيره وسرقتها تمنحه نفس الشعور بالمتعة التي منحته اياه عند المرة الاولى .
ومن الممكن ان يقوم بجمعها ليصبح لديه الف غيرها ولكن لا يعير أي منها أي اهتمام بل يمكن ان يرميها حتى بعد ان يسرقها ،لذلك قلنا في البداية ان السرقة هنا هي للحاجة النفسية والمتعة المربوطة بالفعل وليس بالغرض نفسه او بقيمته المادية .
وبما اننا توسعنا بالتفسير عن هذا الاضطراب خلال مرحلة الرشد فغالباً الشخص المصاب به (أي الراشد) هو يعاني من اضطرابات نفسية مرافقة،فهو إما:
- شخص ارادته ضعيفة حيال اي شيء.
- مصاب بالاكتئاب الحاد. 
- مصاب باضطراب ثنائي القطب. 
- مدمن على استهلاك مادة المخدرات. 
- مصاب بالعصاب النفسي والقلق. 
- شخص غير قادر على التحكم في دوافعه ومشاعره ولا يستطيع تأجيل الرغبات. 
- الأشخاص المصابون بأمراض تتمثل بإفراز نسب قليلة من هرمون السيروتونين. 
الاشخاص الذين يعانون من عدم توازن في المستقبلات الافيونية في الدماغ (بالانجليزية: Opioid Receptors) التي تعمل على ضبط دوافع الشخص حول رغبته بالقيام بفعل معين.
الاسباب الرئيسية لتحول السرقة العفوية عند الاطفال الى هوس 
١- الانتقام: قد يسرق الطفل لانه يشعر بالانزعاج تجاه والده ،فيتعمد ان يضايقه ويثير غضبه. 
لذلك تكون السرقة هنا بمثابة انتقام من الاب او تعبيرا عن الحاجة الى عاطفته وحبه.
٢- تعويض الشعور بالنقص: وهذا السبب مرتبط بالسبب الأول فقد تكون السرقة هي سرقة لغرض ما،باعتقاد الطفل ان هذا سيعوضه عن النقص العاطفي المعاش.
٣- التقليد:قد يتأثر المراهق كما ذكرنا أعلاه إما بأحد رفاقه او بالمافيات وأفلام الاكشن.
٤- التدليل الزائد:ان الطفل الذي يعتاد على تلبية الوالدين لكل رغباته،عند اول رفض من قبلهم لاي طلب من المحتمل ان يفكر بالسرقة ليحصل على ما يريد.
٥- التفكك الاسري: غياب دور الاهل وسلطة الاب قد يؤدي الى انخراط الطفل في مجموعات منحرفة سلوكياً ويصبح فعل السرقة لديه عادة سلوكية يصعُب عليه التخلص منها عندما يكبُر.
٦- الإصابة باضطرابات نفسية أخرى : مثل الوسواس القهري والأفكار الملحة حول امتلاك او تجميع أغراض محددة والإدمان على المخدرات والكحول لانه مربوط كما ذكرنا بضعف الإرادة والفشل في التحكم الذاتي .
٧- الحرمان والتشدد في مراقبة الطفل من قبل الاهل ومنعه من لمس أغراض افراد الاسرة وخصوصاً أغراض الاب ، وهنا ستتولد لديه رغبة لاواعية دائما بلمس أغراض الاخر وأخذها دون ان يشعر الأخير بذلك.
مثال على ذلك : قد يمنع الاب طفله من لمس أي غرض خاص به،فهذا الطفل سيستغل فرصة غياب والده كي يلمس هذا الغرض ويكتشفه وهذه اللذة عند الصغر قد تتطور فيما بعد لتصبح مهوس في مرحلة الرشد من خلال تفحص أغراض الاخرين في السر ومن ثم سرقتها .
 الحلول التربوية والعلاج
١- عند حدوث فعل السرقة عند الطفل،على الاهل الامتناع تماماً عن استخدام مصطلح السرقة امامه او خلال الحديث معه،فمثلا يمكننا ان نقول له : انت اخذت دمية ليست لك 
و نتجنب قول : انت سرقت أو انت لص..
لان هذه المصطلحات ستعزز فعل السرقة لديه والتهمة والصفة سترافقه لمدى الحياة.
٢- فرض الرقابة من قبل الاهل على القصص والأفلام التي يشاهدها الطفل.
٣- عدم المبالغة في الاستجابة لسلوك السرقة عند الطفل ،أي ضبط انفعالات الاهل والمعلمين والتصرف بحكمة وهدوء اثناء مواجهة الطفل والامتناع عن التشهير به امام رفاقه.
٤- تغيير أسلوب التربية وتعزيز القيم الأخلاقية لدى الطفل،لان الطفل هو مرآة الوالدين لذلك عندما يتصرف الاهل بامانة وصدق واحترام ملكية الاخر فالطفل لاشعورياً سيقلدهم.
٥- اعتماد أسلوب العقاب التربوي والبناء ، كأن نطلب منه ان يعيد الغرض لصاحبه والاعتذار منه مع شراء هدية جديدة لصاحب الغرض من مصروف الطفل الخاص.
٦- منح الطفل المزيد من الحنان والعاطفة. 
٧- تأمين مصروف منتظم للطفل وتعويده على تجميع مصروفه الخاص لكي يتمكن من شراء ما يريد .
٨- عند محاسبته اثناء حدوث السرقة يجب علينا ان نشعره بكراهيتنا للسرقة وليس له، وان سلوكه هو السيء وليس هو.
٩- دمج الطفل مع مجموعات سوية خارج المنزل أي اشراكه في أنشطة ترفيهية في الأندية .
١٠- تعزيز الجانب الروحي لديه، كأن نفسر له انه من المحرّم ان نأخذ ما ليس لنا دون ان نطلب الاذن لان الله علمنا احترام خصوصية الاخر وممتلكاته ،و الامتناع بتاتاً عن استخدام عبارات عنفية «مثل الله سيحرقك، أو سيقطع يدك».
ان هذا التدخل اثناء مرحلة الطفولة والمراهقة سيسهم في علاج هذا الاضطراب أما اذا لم يُعالج فسيتطور في مرحلة الرشد ليصبح ما يسمى بهوس السرقة أي الكليبتومانيا. 
وهنا لا يمكننا التدخل الى بطلب من الشخص الذي يعاني منه، أي عندما تأتي الشكوى من صاحبها، و العلاج يكون: 
١- تحليلياً: وقد يستغرق التحليل النفسي سنوات لكي نتمكن من السبب الأساسي وراء إصابة الشخص بهوس السرقة والبحث عن اصل المشكلة.
٢- سلوكيا: أي الاستعانة بتقنيات العلاج النفسي السلوكي لمساعدة الشخص على التخلص من فعل السرقة وتحديد ما يدفعه نحوها وتعليمه سلوكيات أخرى تعزز قدرته على التحكم الذاتي وضبط الانفعالات وتقوية الإرادة بالإضافة الى معالجة الاضطرابات والمشاكل الأخرى التي يعاني منها،لأننا كما ذكرنا ان المصاب به يكون مصابا بعدة اضطرابات أخرى كالادمان والقلق وانحرافات سلوكية متعددة بالإضافة الى المشاكل المرتبطة بنسب هرمون السيروتونين والذين يعانون من عدم التوازن في المستقبلات الافيونية .
دوائياً: بسبب المشاكل الهرمونية والاضطرابات العقلية التي تحدثنا عنها أعلاه قد يحتاج الشخص المصاب بهوس السرقة الى تدخل الطبيب النفسي وليس فقط المعالج 
كي يتمكن من تحديد علاجه الدوائي المناسب الى جانب علاجه النفسي التحليلي او السلوكي.

* (مختصة نفسية)