بيروت - لبنان

اخر الأخبار

أقلام عربية

29 آب 2021 08:41ص أفغانستان وواقع ما بعد الانسحاب الأميركي

حجم الخط
الذكرى العشرون لجريمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية على وشك أن تحل بيننا. حُلولها، هذه المرة، سوف يكون مختلفاً عن السابق، وبطعم حاذق، وبمذاق ممزوج بمرارة علقم في دول الغرب، لاقترانه بأكبر عملية انسحاب عسكري أميركي شبيه بما حدث في سايغون بفيتنام عام 1975، والذين منا لا يتذكرون ما حدث في سايغون بسبب صغر أعمارهم، ربما بإمكانهم الاستعاضة عنه، باختلافات بسيطة، بما شاهدوه من مناظر تابعوها تنقل حية على شاشات مختلف المحطات التلفزيونية، خلال الأيام القليلة الماضية، في مطار العاصمة الأفغانية كابل.

عشرون عاماً بتمامها وكمالها، مرت متتالية، بحمولتها، على ذلك الحدث المرعب، حين، ذات يوم، استيقظت صباحاً أميركا، أكبر قوة عسكرية واقتصادية على وجه الأرض، لتجد نفسها عرضة، في عقر دارها، لهجمات جوية إرهابية غير مسبوقة، فشلت كل أجهزتها الأمنية، العلنية والسرية منها، بكل ما تملكه من إمكانيات تقنية وكوادر بشرية، في رصدها والتنبؤ بها، كاشفة عن تقصير بلغ حد العجز. وعلى شاشات القنوات التلفزيونية العالمية، تابع الأميركيون وشعوب الأمم الأخرى ما كان يحدث، آنذاك مباشرة، أولاً بأول، بعيون غير مصدقة مسكونة بالدهشة، وبألسنة عقدتها المفاجأة، وبقلوب استحلها رعب وخوف.
 
تلك الحادثة، منذ عشرين عاماً، تكفلت أحداثها برسم خريطة طريق إلى حقبة دولية، غير مسبوقة، تستند إلى معادلة جديدة من طرفين؛ طرفها الأول أميركا الموتورة متبوعة بحلفائها، من الغرب والشرق. والجماعات الإسلاموية المتطرفة تشكل الطرف الثاني. أفغانستان كانت أولى المحطات على الخريطة الجديدة. وكان تنظيم «القاعدة» أول الأهداف. والباقي تفاصيل طويلة مدونة في تاريخ العالم المعاصر، تكفل برصدها وتوثيقها مؤرخون بكل لغات الأرض. الحرب التي بدأت في أفغانستان، في وعورة جبال تورا بورا، امتدت إلى بقاع كثيرة مترامية في مختلف بلدان العالم. كانت حرباً غير متكافئة عسكرياً، لكنها في الوقت نفسه، خارج نطاق ما يدرس في الكليات العسكرية الحديثة، من نظريات الحروب التقليدية.

في تلك الحرب ذابت كوادر «القاعدة» متوزعة هرباً في مختلف القارات، أو قابعة في مختلف السجون والمنافي. وحين وصلت، أخيراً، القوات الأميركية والحليفة إلى العاصمة كابل، لم تجد في انتظارها سوى مراسلي وسائل الإعلام، وعشرات المواطنين الأفغان، يقفون مصطفين على جوانب الطرقات. كابل سقطت، لكن «طالبان»، رغم خروجها من الحكم، بسبب هذه الحرب نجت من الوقوع في الشرك المنصوب كحركة تنظيمية حزبية عقائدية. وحين، بعد فترة زمنية، تحولت أميركا وحلفاؤها نحو العراق، المحطة الثانية على خريطة الطريق، بدأت حركة «طالبان» في تجميع كوادرها، وتعبئة قواها، وعادت تحت قيادة أصغر سناً وأكثر تمرساً بالحرب، إلى أفغانستان، معلنة عن حضورها مجدداً، وبدء مسيرة العودة إلى قصر الرئاسة في كابل. صدق من قال، ذات يوم، إن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة. لذلك، وعلى عكس المرارة المستشعرة في مختلف بقاع أميركا ودول الغرب، فإن حلول الذكرى العشرين بعد أيام قلائل، سيقابل من قبل قادة حركة «طالبان» وكوادرها بمشاعر مختلفة، وفرحة العودة بالتاريخ إلى النقطة التي توقف عندها منذ عشرين عاماً.
السؤال حول عودة السلام والاستقرار إلى أفغانستان ما زال جوابه في طي مجهول. والأفغان الذين غامروا بالهروب إلى المنافي، ربما يعد قرارهم بالمغادرة بمثابة رغبة في تفادي ما يأتي به المجهول من مفاجآت غير سارة. لكن يبدو أن المسافة بين أفغانستان والسلام والاستقرار ما زالت طويلة، وأن نصيبها من الحروب الأهلية المدمرة لم ينته بعد. الوفاق الداخلي بين مختلف الأطراف المتنازعة على السلطة أول الشروط. والتوافق والتراضي على مشاركة السلطة سلمياً ضرورة. فهل تقبل الأطراف الأخرى انفراد «طالبان» بها؟ وهل يقبل جيران أفغانستان اندلاع حروب أهلية أخرى، وتدفق نازحين إلى أراضيهم؟
الرقعة الشطرنجية الأفغانية، حتى بعد سيطرة حركة «طالبان» عليها مجدداً، ما زالت، كما عهدناها، في وضع سياسي وعسكري ليس واضحاً. وأن حركة «طالبان»، وإن كانت أقوى الأطراف حالياً إلا أنها ليست الطرف الوحيد. وتعدد اللاعبين في تلك الرقعة الوعرة تضاريسياً، والمعقدة قبلياً وسياسياً، يعني أن قواعد اللعبة ستتغير وفقاً لمتطلبات الواقع الجديد.
أميركا تركت الرقعة منسحبة بعد عشرين عاماً. وقبلها غادرها السوفيات منهزمين، وقبلهم البريطانيون... إلى آخر القائمة الطويلة من الأمم الغازية، وبقي الأفغان. وعلى عاتقهم وحدهم تقع مسؤولية مواجهة ما سيفرزه واقع ما بعد مرحلة الانسحاب الأميركي من تعقيدات، وتحمل تبعاته.

المصدر: الشرق الأوسط