بيروت - لبنان

اخر الأخبار

أقلام عربية

27 آب 2020 07:32ص «التفريس» و «التتريك» واستخدام الإخوان جسرًا إلى البلدان العربية

حجم الخط

سردنا في الحلقة السابقة أن العراق والسعودية في مقدّم البلدان العربية التي عانت تدخلات النظام الإيراني السافرة، كما عانت مصر من جماعة الإخوان المسلمين حليف إيران، ومشروعها في المنطقة.

مصر تتضرّر (القسم الثاني)

بعدما صارت جماعة الإخوان معزولة عن السلطة، ظهرت بعض التشكيلات الإخوانية المسلحة مثل "حركة مجهولون" و"حركة العقاب الثوري" و"حركة المقاومة الشعبية"، التي أخذت تستهدف مؤسسات الدولة والمصالح الاقتصادية والشركات الكبرى، وتخريب الخدمات العامة من مواصلات وكهرباء وسكك حديد، ما يعني أن القيادات الإخوانية أمرت أتباعها وزجت بخلاياها المسلحة في اختيار مسلك العنف الدامي، كطريق للمواجهة ضد الدولة من جهة، والإيحاء للعالم بأنّهم يمتلكون أدوات القوة التي تؤهلهم للعودة إلى حكم مصر من جهة أخرى، ومن هذا المنطلق أخذ الشارع المصري يشهد التفجيرات والاغتيالات والتصادمات التي راح ضحيتها مدنيون أبرياء.

ويمكن أن نتناول واحدة من تلك المجاميع المسلحة، إذ في 14 آب 2014 أعلنت "حركة المقاومة الشعبية" تشكيلها، وجاء في بيانها الأول عن تكوين مجموعات ردع العسكر، والتئام تلك المجموعات بمحافظة القاهرة، موحّدة على طريق الحركة، وتحت اسم "مجموعة الشهيد محمد حلمي بالقاهرة"، وأكد البيان أن "إعلان انطلاق هذا الكيان المقاوم الجديد رغبة مصرية خالصة في توحيد جهود المقاومين المصريين في أنحاء المحروسة، تحت مسمى واحد وهدف مشترك ووسائل متشابهة وكيانات لا مركزية عدة".

كما هدّدت الحركة في بيانها رجال الجيش والشرطة والأمن، وقالت "من التزم من الجيش مكانه فهو آمن، أما من اعتدى فلا يلومن إلا نفسه"، ومن بين إحدى عملياتها اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات عبر تفجير سيارة مفخخة استهدفت موكبه في 19 حزيران2015.

وتبنّت حركتا "المقاومة الشعبية" و"العقاب الثوري" المسؤولية عن عمليات مسلحة وتخريبية عدة، منها تفجير 56 عبوة ناسفة، ونصب 12 كميناً لقوات الأمن، والاشتباك مع تلك القوات بالأسلحة الرشاشة في محافظات عدة، وإحراق مبان حكومية، وتفجير قطارات وسكك حديد وغيرها.

في حينها كشفت بعض المصادر عن أن شباب الإخوان وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي (1951 - 2019)، انفصلوا كلياً عن مكونات "تحالف دعم الشرعية"، واتجهوا لتشكيل حركات لا مركزية، مرتبطة مباشرة بقيادة التحالف الثوري الذي أسسه رئيس حزب الفضيلة محمود محمد فتحي المقيم في تركيا، وتنتشر هذه الحركات على شكل مجموعات قليلة العدد، لتسهيل مهمة تنفيذ عمليات نوعية في كل منطقة يتبعها أفراد المجموعة.

أحالت "أمن الدولة العليا" محمود فتحي إلى المحكمة الجنائية مرات عدة في عدد من القضايا الإرهابية، منها "كتائب حلوان" و"حركة مجهولون" واغتيال النائب العام وخلية نسف الكمائن وغيرها، ومن بين التهم الموجهة إليه تأسيس خلية إرهابية وتمويل أعضائها وتوفير الغطاء المالي اللازم لشراء الأسلحة والمتفجرات، لاستهداف مؤسسات الدولة.

كانت تلك الأعمال الإرهابية من تفجير السيارات والقطارات، ووضع العبوات الناسفة على أعمدة الكهرباء وسكك الحديد، وما لحق بالأبرياء المدنيين من قتل وإصابات، لا صلة لها البتة بعمل ونهج وفكر المقاومة الشعبية، فالصراع السياسي الداخلي هدفه دوماً السلطة، والإخوان جراء تهافتهم لبسط هيمنتهم على الدولة، خسروها، واستخدام العنف المسلح تبريراً لعودتهم إلى السلطة لن يجدي نفعاً، بل زادت الهوة أكثر بينهم وبين الدولة والشعب، خصوصاً بعد حشر الدين والجهاد في الصراع السياسي.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر، كانت دعوة أحمد المغير، أحد نشطاء الإخوان، إلى حمل السلاح تزامناً مع الذكرى الأولى لفض اعتصامي رابعة والنهضة، الذي جرى في 14 آب 2013، أمراً مثيراً للريبة، يهدف إلى تفكيك المجتمع المصري، إذ يقول "يا شباب الإسلام المجاهد في مصر، هي حياة واحدة، فلتكن في سبيل الله، وهي موتة واحدة، فلتكن في سبيل الله".

فهل هذه الدعوة خالصة في سبيل الله حقاً، أم في سبيل العودة لعرش السلطة؟ لا سيما أن المغير يؤكد جازماً أنه "لا شرعية ولا ديمقراطية ولا حزبية ولا مجتمع دولي، ولا توافق ولا تهادن ولا حل، إلا بحمل السلاح، ولا عزّ إلا بالجهاد"، فعن أي جهاد يتحدث؟ ولماذا دعوة القتال هذه؟ وعلام غلق جميع الأبواب والمنافذ والإبقاء فقط على شلال الدم؟

في عام 2018 اعترف أحمد المغير خلال شهادته أن الاعتصام في رابعة العدوية كان مسلحاً، وأنه تم آنذاك تكوين جماعة سرية مسلحة باسم "سرية طيبة مول"، وبحسب قوله، كانت هناك خيانة من أحد القياديين في سحب السلاح من داخل الاعتصام.

على أي حال، عندما دخلت جماعة الإخوان في مرحلة العنف المسلح ضد الدولة، فبالقدر الذي كشفت فيه عن دمويتها، فإنها أظهرت ضيق أفقها أيضاً، إذ نقلت النزاع السياسي القابل للحل بصورة أو أخرى إلى تصادم مسلح لن تكسبه قط. وكذلك فإن إيران بدورها دعمت جماعات إسلامية مسلحة ضد النظام المصري، فقد نشر "موقع البوابة" في الأردن، أن إيران قامت بتدريب مجموعة متمركزة في ليبيا تعرف باسم "جيش مصر الحر"، وهو خليط من الإخوان الهاربين وجهاديين مصريين آخرين ذهبوا للقتال في سوريا، وكان عناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يقومون بمهمة التدريب في مدينة مصراتة شمال غربي ليبيا، ومن بين قياديي هذا الجيش أبو داوود زهيري وكرم عمراني.

وإذا أرادت إيران من دعمها "جيش مصر الحر" شنّ هجماته من جهة الغرب، فقد ذكرت صحيفة "الوطن" المصرية أن إيران تنشر أيضاً عناصر من فيلق القدس في السودان، مهمتهم تدريب مجاميع تابعة للإخوان المسلمين هناك، والهدف مهاجمة مصر من الجنوب.

إلا أن مصر استطاعت مجابهة تلك المخططات والتغلب عليها، بل إن مصر والسعودية والإمارات والبحرين أصدرت قراراتها الرسمية بتصنيف الإخوان المسلمين ضمن المجموعات الإرهابية. ويعاني الإخوان وضعاً تدميرياً على الساحة العربية عموماً، وأخيراً، انضمت الأردن أيضاً وحلّت جماعة الإخوان المسلمين، إذ أصدرت محكمة التمييز في 15 تموز 2020 قرارها باعتبار جماعة الإخوان المسلمين، "منحلة حكماً وفاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية"، وذلك "لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية وفقاً للقوانين الأردنية".

الواقع والمستقبل

إن حصيلة الواقع السائد في المنطقة تجاه إيران وجماعة الإخوان في تردٍ حاد، فإيران اليوم في أضعف حالاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لم تشهدها دولتها الدينية منذ عام 1979، وبالرغم من أن السبب الرئيس داخلي، إذ يقترن مشروع إيران المزعزع لاستقرار المنطقة، وممارساتها العدوانية والإرهابية، ودعمها المجاميع الإسلامية المتطرفة، لتشكل خطراً حقيقياً على الأمن الإقليمي والدولي.

أما عن الأسباب الرئيسة الخارجية، التي لها دورها وتأثيرها في إيران وجماعة الإخوان، فيمكننا أن نسردها كالآتي:

أولًا: التحالف العربي بقيادة السعودية

بعدما وصلت إيران بمشروعها السياسي الطائفي إلى اليمن، وساندت الحوثيين وبقية الانقلابين ضد الشرعية، وبذلك أصبحت الأهداف الإيرانية أكثر وصولاً نحو الجزيرة العربية شمالاً وجنوباً، من هنا جاء التحالف العربي الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية، وفي 25 آذار 2015 انطلقت عملية عاصفة الحزم التي استمرت حتى 21 نيسان، لتبدأ في اليوم التالي عملية إعادة الأمل، بعد أن استوفت قوات التحالف العربي أهدافها من تدمير الأسلحة العسكرية الثقيلة التي استولى عليها الحوثيون من معسكرات ومستودعات الجيش، ومنعتهم من التقدم.

وتعد الرياض المركز الرئيس في تنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب، وكذلك في تطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود، والأمر حول اليمن لا يقتصر على الجانب الميداني فقط، بل في الجانب الديبلوماسي والحوار والتفاوض، بغية تحقيق الحل السياسي. وكان اتفاق الرياض في الخامس من تشرين الثاني 2019 تتويجاً لجهود المملكة في إنهاء الحرب، كما أن الحوثيين اندحروا في أكثر من 85 في المئة من المناطق التي استولوا عليها قبل خمس سنوات.

وعن جماعة الإخوان، ففي السابع من مارس 2014 أصدرت السعودية قائمة تصنف فيها الإخوان المسلمين جماعة إرهابية ضمن منظمات إرهابية أخرى ضمت داعش وجماعة الحوثيين وجبهة النصرة وحزب الله والقاعدة، وبذلك وقفت السعودية إلى جانب مصر والإمارات في حظر جماعة الإخوان، ثم تبعتها البحرين، وأخيراً الأردن.

ثانيًا: العقوبات الأميركية

منذ حملته الانتخابية كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يشير إلى أن الاتفاق النووي مع إيران، الذي أبرمه سلفه باراك أوباما، لا يفي بالغرض تجاه الأمن القومي، وبعد خروج الولايات المتحدة من هذا الاتفاق باشرت إدارة ترمب تنفيذ العقوبات التي تدرجت وتشعبت، متجاوزة العقوبات الاقتصادية إلى التجارية والعسكرية والعلمية، وصولاً إلى مستوى العقوبات الشديدة التي طالت تصدير النفط وقطاع الإنشاءات ومسؤولين كباراً في الدولة.

وفي 15 نيسان 2019 أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية، وقبيل ذلك كان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أكد "أن الحرس الثوري قتل أكثر من 600 جندي أميركي"، أما عن قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، فقد وصفه بأنه "إرهابي متورط في دماء أميركيين"، وفي الثالث من كانون الثاني مطلع العام الحالي قامت قوة أميركية خاصة بتصفية سليماني على طريق مطار بغداد، نظراً لتوفر معلومات مؤكدة لمخطط دموي يقوده سليماني ضد الوجود الأميركي في العراق.

ومع أن العقوبات الأميركية على إيران لها تأثيراتها الواضحة داخلياً، لكن النظام الديني الحاكم، بصورة أو أخرى، خفّف من شدتها من خلال هيمنته على العملية السياسية في العراق، وجعله رئته الاقتصادية، كما أن جماعة الإخوان المسلمين عبر الحزب الإسلامي العراقي أو غيره من الواجهات الإخوانية يساندون ويساعدون إيران ضد العقوبات الأميركية.

ثالثًا: الوجود العسكري الروسي

عندما اتخذت روسيا قرارها بالتدخل العسكري في سوريا بتاريخ 30 سبتمبر 2015، ومع أنه بطلب رسمي من الرئيس بشار الأسد، لكنه يكشف عدم قدرة إيران على الدفاع عن النظام ضد المناوئين له منذ اندلاع الصراع في 2011. وكانت التوقعات حينها، أن روسيا لن تطيق الاستمرار لأسباب عدة، أهمها أن الوضع الاقتصادي الروسي لا يتحمل عبء الحرب، وأن الخسائر البشرية ستؤثر في الانتخاب الرئاسية على بوتين، لكن روسيا واصلت وجودها العسكري، وحققت مكاسب كبيرة.

ونتيجة الوضع الروسي المسيطر في سوريا، صارت إيران في وضع ثانوي من جهة صنع القرارات، بل لم تتمكن من أن تكون حليفاً ميدانياً يشترك مع الروس في خططهم، ومن هنا ضاعفت إيران قواعدها ومراكزها العسكرية التي يقودها الحرس الثوري، وكذلك الفصائل المسلحة التي صنعتها في لبنان والعراق وسوريا وأفغانستان.

وبما أن إيران أخذت تشكل خطورة في تسليحها للنظام السوري، بدأت إسرائيل بتوجيه ضرباتها الجوية والصاروخية على قواعد ومراكز ومخازن الحرس الثوري، ومقار الفصائل الولائية التابعة لها، وفي المقابل كانت إيران تكتفي بالوعيد اللفظي بأنها سترد على هذه الهجمات في الوقت المناسب.

أما الهجمات التدميرية التي تتعرض لها إيران منذ منتصف هذا العام، وطالت مفاعل "نطنز" النووي وقواعد عسكرية ومنظومات صاروخية وأماكن صناعية وغيرها، فبالقدر الذي اتضحت فيه هشاشة النظام، وفشل أجهزته الاستخبارية فشلاً ذريعاً في الكشف المسبق عن هذه الضربات الفتاكة، فإنه يوضح للشعوب داخل إيران وكذلك شعوب المنطقة، أن النظام أضعف مما كان يتشدق ويعربد، وأن تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي ورئيس الحرس الثوري إسماعيل قاآني وغيرهما، ليست بأكثر من استهلاك إعلامي لا يلقى أي صدى.

رابعاً: دور قطر

مع الوضع المتردي الذي تعانيه إيران وجماعة الإخوان، إلا أن الدعم المالي الكبير الذي تقدمه قطر عبر تنظيم الإخوان الدولي الذي تقوده تركيا، والاصطفاف مع إيران، ساعد تلك الأطراف على الاستمرار في مشروعها، غير أن الدعم المالي القطري لن يوفر أرضية مستقبلية صلبة، إذ إن قوة المعارضة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان تزداد ضد سياسته داخلياً وخارجياً، خصوصاً بعد التدخل العسكري التركي في دعم جماعة الإخوان في ليبيا، ولذلك فاحتمال خسارته الانتخابات الرئاسية القادمة قوية، ونتيجتها ستؤدي إلى زوال المشروع العثماني الإخواني.

كما أن تآكل المشروع الإيراني عربياً يزداد أكثر فأكثر، ابتداء من التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ووصولاً إلى انتفاضة المحافظات العراقية ذات الغالبية الشيعية المتواصلة منذ أكتوبر 2019، وكذلك بالنسبة إلى الحراك الشعبي في لبنان، وانحسار الحوثيين في اليمن، وكل هذه أدلة ساطعة ألا مستقبل للمشروع الإيراني في الوطن العربي.

أما رؤية إيران والإخوان في "الحضارة الإسلامية الجديدة" و"الوحدة الإسلامية" أو "الإسلام العالمي"، فقد برهنت وقائعهم وتجاربهم أنهم يوظفون الإسلام لغايات دنيوية في الحكم والتسلط ليس إلا، ونظراً إلى سياسة "التفريس" و "التتريك"، واستخدام الإخوان جسراً لهم إلى داخل البلدان العربية، فإن الموقف العربي العام هو الاعتزاز بالعروبة والالتزام بالهوية الوطنية، وتأييد الأمن القومي العربي، ورفض الإسلام السياسي المستتر برداء الدين.


المصدر: اندبندنت