بيروت - لبنان

اخر الأخبار

أقلام عربية

18 تشرين الثاني 2021 11:25ص الوثيقة العربية تجاه سوريا الواقع والتمني

مصدر الصورة: رويترز مصدر الصورة: رويترز
حجم الخط

يُعد التحرك العربي نحو إعادة سوريا إلى الصف بعد 10 سنوات من الإبعاد، أمراً محفوفاً بالمصاعب الشائكة داخلياً وخارجياً، ويتطلب تفكيك هذه الصعوبات رؤية شمولية ناجعة ومقبولة من أطراف سورية وإقليمية ودولية عدة بغية تحقيق الهدف المنشود، لذلك تجد أن الوثيقة الأردنية بصفحاتها الست وملحقها السري تطرح الخطوات العربية المطلوبة تجاه سوريا.

وتشير الوثيقة إلى أنه منذ اندلاع الأزمة السورية تنعدم الآفاق الحقيقية لحلها، ولا توجد استراتيجية شاملة للتوصل إلى حل سياسي واضح، ويتفق الجميع على عدم وجود نهاية عسكرية للأزمة الراهنة، وأن تغيير النظام السوري الحاكم ليس غرضاً مؤثراً في حد ذاته، والهدف المعلن هو إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن الدولي الرقم (2254).

بيد أنه لا تقدم ذا مغزى على هذا المسار، فالوضع يسفر عن مزيد من المعاناة للشعب السوري، وأكثر من 80 في المئة منه يعيشون تحت خط الفقر.

ويزداد الأمر تعقيداً مع وجود فلول تنظيم " داعش " الإرهابي واستمرار إيران في فرض نفوذها الاقتصادي والعسكري على النظام السوري وأجزاء حيوية في سوريا، واستغلال معاناة الناس لتجنيد الميليشيات، فيما تدر تجارة المخدرات دخلاً معتبراً لهذه الجماعات التي تشكل تهديداً متزايداً على المنطقة وخارجها، إضافة إلى صعوبة عودة اللاجئين السوريين بسبب عدم تحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية في البلاد.

وحيال ذلك كله ترى الوثيقة أنه من اللازم اعتماد نهج فعال جديد يعيد تركيز الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة، والتخفيف من تداعياتها الإنسانية والأمنية بشكل تدريجي، إذ يبدأ بالحد من معاناة الشعب السوري، ومن شأن هذا النهج أن يستهدف تغييراً تدريجياً في سلوك النظام الحاكم في مقابل حوافز يجري تحديدها لمصلحة الشعب السوري، مع إتاحة بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين.

وتحصر الورقة الأردنية السبيل إلى إنجاز ذلك في خمس نقاط، وضع نهج تدريجي للتوصل إلى حل سياسي على أساس القرار (2254)، وبناء الدعم المطلوب للنهج الجديد لدى الشركاء الإقليميين والدوليين ذوي التفكير المماثل، والسعي إلى الاتفاق على هذا النهج مع روسيا ، والاتفاق على آلية لإشراك النظام السوري، وأخيراً التنفيذ.

وعن بعض المقاربات ومنها أهمية أن يدعم الحلفاء العرب والأوروبيون الرئيسون هذا النهج الذي يضمن ذلك صوتاً جماعياً في المحادثات مع النظام وحلفائه، وكذلك كسب موافقة روسيا على هذا النهج عامل أساس من عوامل النجاح، ويمكن مشاركة النظام السوري بشكل مباشر أو عبر روسيا، ووضع آلية رسمية لرصد التنفيذ والامتثال، ويؤخذ تجسيد الاتفاق ضمن قرار صادر من الأمم المتحدة.

أما خطوات تطبيق هذه المبادرة فتقوم على ثلاثة محاور، أولها مناقشة النهج والاتفاق عليه، وثانيها الاتفاق على قيام الأطراف بصياغة المطالب والعروض، وثالثها الاتفاق على خريطة الطريق وكيفية المضي قدماً.

وبالنسبة إلى الملحق السري للوثيقة فإنه يعتمد على التحرك وفق مبدأ "خطوة مقابل خطوة"، وذلك ما بين المطلوب من دمشق والمعروض من الآخرين، فالخطوة الأولى تبدأ في "ضمان وصول المساعدات الإنسانية" والصحية إلى سوريا، والخطوة الثانية تهيئة دمشق "البيئة المواتية للعودة الآمنة للنازحين واللاجئين، ومنح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق الوصول الكامل إلى المناطق المعنية، بما في ذلك ضمان عدم اضطهاد العائدين"، أما الخطوة الثالثة فتتعلق بتطبيق فقرات القرار (2254)، والخطوة الرابعة في "مكافحة داعش والجماعات الإرهابية"، والخطوة الخامسة أن يتم إعلان عن وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وانسحاب جميع العناصر غير السورية من خطوط المواجهة والمناطق الحدودية مع دول الجوار، وفي الخطوة السادسة والأخيرة يتم انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا لما بعد عام 2011.

إن هذه الوثيقة التي سُميت "لا ورقة"، على الرغم مما تحويه من رؤية واقعية ومسارات واضحة في الخروج بحلول متدرجة المراحل، يبدو تحقيق هدفها النهائي بعودة سوريا لمحيطها العربي أقرب إلى التمني منه إلى حقائق الواقع، لأسباب كثيرة أهمها أن النظام الحاكم ذاته مستمر في اضطهاد شعبه، وهو الذي أباح الوجود العسكري الإيراني ثم الروسي بجانب التدخل العسكري الأميركي و التركي ، وأن التخلص من تلك القوات الأجنبية لن يكون إلا بما يخدم مصالح دولها، إضافة إلى غياب الإرادة الدولية في تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم (2254)، فيما الإرادة العربية لا تستطيع تطبيق شيء.

ولم تعط اللقاءات والزيارات التي جرت بين بعض المسؤولين العرب مؤشراً إلى عودة سوريا قريباً إلى مقعدها في الجامعة العربية، إذ ما زالت عضويتها معلقة، بل إن وزير خارجية قطر محمد آل ثاني دعا إلى وقف تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، كونه "لم يتخذ أي خطوة جادة" لبلده وشعبه، لكن هذا لا يمنع من أهمية التحرك العربي تجاه سوريا، شرط أن يكون تحركاً جماعياً وليس ثنائياً، سواء من الجانب الأردني ومناقشة الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن يوليو (تموز) الماضي هذه الوثيقة، وكذلك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب)، إضافة إلى قادة عرب وأجانب، والأمر نفسه بالنسبة إلى تحرك الإمارات واستقبال الرئيس السوري بشار الأسد وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد في دمشق في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

ورب سائل يقول ما الضير في التحرك الثنائي طالما يصب في مصلحة طرفين عربيين؟ إن الأزمة في سوريا لها أطراف إقليمية ودولية، والتحرك الجماعي العربي يعني وحدة الموقف تجاه هذه الأزمة، كما أن الإرادة الجماعية سيكون تأثيرها في الجهات الخارجية الداخلة في سوريا أقوى من طرف دولة عربية واحدة، وكذلك سيكون النظام الحاكم أكثر إذعاناً والتزاماً بتنفيذ الإصلاح الحقيقي، وهنا سيكون تحقيق الهدف النهائي بعودة سوريا أقرب إلى الواقع من التمني النفسي.

المصدر: اندبندنت عربية