بيروت - لبنان

اخر الأخبار

أقلام عربية

2 تموز 2020 07:24ص عملة خليجية موحدة.. إلى أين وصل مجلس التعاون الخليجي؟

حجم الخط
وفقًا لمعطيات ومستجدات كل مرحلة من المراحل السياسية التي تمر بها المنطقة على المستويات العربية، والإقليمية، والدولية، يتوجب على دول الخليج العربي أن تأخذ ضمن حساباتها، متطلبات ومستلزمات المرحلة. وهكذا انبثقت فكرة مجلس التعاون الخليجي في عام 1976، لأسباب عدة من بينها، خروج بريطانيا من منطقة الخليج العربي في عام 1971، ومجابهة أطماع إيران التوسعية، وحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 وغيرها لذلك تم تأسيس "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" في 25 مايو (أيار)1981، الذي يضم في عضويته 6 دول متشاطئة هي السعودية، والإمارات، وعُمان، وقطر، والبحرين والكويت.

وكانت حرب الخليج الأولى (1980-1988)، التي اشتعلت واستعرت نيرانها بين العراق وإيران، فدفعت أكثر بقادة دول المجلس إلى تمتين هذه المنظومة الخليجية، لتشكّل وحدة عربية مناطقية لعبت دوراً خاصاً في القضايا العربية. كما تردد صداها في الدول العربية التي أحيت فكرة "اتحاد المغرب العربي"، وشكّلته في عام 1989 وضم في عضويته 5 دول هي ليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا.

الجانب الاقتصادي
في خطوة مهمة ضمن المسار الذي ينتهجه "مجلس التعاون" لدول الخليج العربية، عقدت أربع دول اجتماعاً في 21 يونيو (حزيران) الماضي، لتوحيد عملتها النقدية، وتأسيس منظومة متكاملة للأمن الغذائي، والمائي، والصحي.

في هذا الصدد، أوضح الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية والتنموية في المجلس خليفة بن سعيد العبري، أن أربع دول خليجية تعمل على تهيئة الظروف لعملة خليجية موحدة، ولتأسيس تلك المنظومة البنيوية، من بينها "مشروع سكة الحديد الذي يربط في مرحلته الأولى الإمارات، والسعودية، وعُمان، ويسهّل نقل السلع"، ومن المقرر الانتهاء منه في عام 2023.

من دون شك، إن أحد أهداف المجلس الرئيسة هو الوصول إلى عملة موحدة تسهم في متانة الاقتصاد الخليجي محلياً، وتعزز مكانته دولياً، كما أن فكرة إنشاء اتحاد نقدي خليجي تعود إلى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تم العمل على إنشاء مصرف خليجي موحد في مارس (آذار) 2010 بهدف اتخاذ تدابير توحيد العملة مع اتباع سياسة نقدية موحدة.

إلا أن الاتحاد النقدي الخليجي لم يضم كل أعضاء المجلس، إذ إن عُمان أعلنت انسحابها منذ البداية، بسبب الاختلاف على معايير المشروع نفسه، كذلك الإمارات انسحبت منه بشكل مفاجئ في عام 2009، بسبب تحفظات خاصة، من بينها رغبتها في أن يكون مقر "البنك المركزي الخليجي" على أراضيها، في حين أن الدينار الكويتي لا يرتبط بالدولار فقط، بل بسلة عملات، فضلًا عن تجميد عضوية قطر منذ إعلان المقاطعة معها في 5 يونيو2017.

بالإضافة إلى ذلك، فإن ما قاله المسؤول الخليجي خليفة العبري، يثير أيضاً بعض الأسئلة الضرورية، أهمها، ما هي الآلية التي سيجري وفقها صدور العملة الخليجية الموحدة؟ ومتى ستكون جاهزة للتداول؟ وهل قطر طرف في هذه العملة؟
قد يوضح تأكيد العبري خلال جلسة التكامل الاقتصادي الخليجي الافتراضية، الموضوع بعض الشيء، إذ أشار بشكل صريح إلى "صعوبة التنبؤ بتاريخ محدد لإطلاق العملة"، لكنه ألمح إلى آليات واضحة ستعمل وفقها المنظومة البنيوية قريباً.

أما الربط الخليجي الموحّد عبر سكك الحديد، فإن المرحلة الأولى بدأت تباشيرها في الظهور على أرض الواقع، إذ عملت كل من السعودية والإمارات على إنجاز أجزاء داخلية تمهيداً لربطها خارجياً. أما المرحلة الثانية، فستشهد ربط السعودية، والبحرين، والكويت، وستكتمل في عام 2025.

ونظمت الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجية، متمثلةً في "إدارة النقل والمواصلات" في أبريل (نيسان) من العام الحالي، ورشتي عمل عن بُعد لمتابعة آخر تطورات مشروع سكة حديد الخليج، إلا أن جذوره تمتد إلى عام 2003 عندما كلّف قادة دول المجلس، وزراء النقل والمواصلات إعداد دراسة جدوى اقتصادية لمشروع سكة حديد تربط بلدانهم، باسم "قطار الخليج".

وخرج قرار القمة الخليجية في دورته الثلاثين، بعد دراسة جدوى المشروع في عام 2009، إلى أنه ذو جدوى اقتصادية. ومنذ ذلك الحين، تتضافر الجهود وفق برنامج عملي يخضع لإطار زمني يتحقق فيه، إنجاز القطار الخليجي، وبالقدر الذي يهم فيه الاقتصاد الخليجي، فإنه يهم الاقتصاد العربي أيضاً، فالمنظومة الخليجية كلما تكاملت اقتصادياً، فإنها تعكس الإرادة السياسية، ما يعني شموليتها عربياً، وليس خليجياً فقط.

وإذا كانت الثروة المعدنية من النفط والغاز هي الركيزة الأساس لدول المجلس، فبالتالي ترتفع الصادرات وأسعارها، وتهبط بحسب ميزان السقف العالمي، ما ينعكس سلباً أو إيجاباً على الميزانية المالية السنوية، فضلاً عن حقيقة نضوب هذه الحقول مستقبلاً، فإن مشروع "نيوم NEOM" العملاق في السعودية العابر للحدود، الذي تصل كلفته إلى 500 مليار دولار أميركي، هو ضمن التطلعات الطموحة الرئيسة لرؤية 2030، التي يقودها ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان. وكذلك بالنسبة إلى شبكة "شركة موانئ دبي العالمية" في الإمارات، التي تأسست في عام 1999، إذ تمتلك موانئ وحاويات مركزية مهمة في خطوط مائية متشابكة حول العالم، يعني أن هناك عملاً يصب في اتجاه البنية الاقتصادية المستدامة، التي تعتمد على تنويع مصادر الدخل للبلاد، ما يجعل مستقبل الاقتصاد الخليجي أكثر استقراراً وتنوعاً.

الجانب السياسي
بعد مسيرة أربعة عقود تقريباً من تأسيس مجلس التعاون، وعلى الرغم من التأثيرات الخارجية الجسيمة، لا سيما بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، وما تبعه من تمدد إيراني في أربعة بلدان عربية هي العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان، والحراك الشعبي ما بين (2010-2011)، الذي استغلته جماعة الإخوان بدعم ومخطط سري من إدارة (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما وقتذاك، وفق ما كشفته "مجموعة الشرق الاستشارية" الأميركية في واشنطن منتصف عام 2014، لتسقط أنظمة سياسية عدة في تونس، وليبيا، ومصر، وصولًا إلى مشكلة قطر داخل المجلس، منذ ثلاث سنوات.

وبما أن عامل التكامل الاقتصادي الخليجي يتحرك عبر إرادة سياسية تهتم بالجزئي والكلي، المحلي والخليجي، إذن فإن أي عضو يقع خارج هذا النطاق يتحمل وحده هذا التأخر. بمعنى أدق، إن قطر التي تحتفظ بعضويتها في المجلس، وتنتهج سياسة تشكل فيها تضاداً سلبياً واضحاً ليس فقط مع أعضاء في المجلس، بل وخارجه أيضاً، مثل مصر، والسلطة الفلسطينية، والحكومة الشرعية اليمنية، والبرلمان الليبي، ما يجعل المجلس أمام قرارات تهدر من طاقته، وتعيق تحقيق أهدافه المستقبلية ومنها، مبادرة "الاتحاد الخليجي"، التي طرحتها السعودية في عام 2011 في القمة الخليجية 32 التي انعقدت في الرياض، إذ ما زالت تتراوح بين التأييد، والتحفظ، والمعارضة من قِبل أعضاء المجلس.

صفوة القول، نستطيع أن نستشف من الوضع الحالي لمجلس التعاون ما يلي، تواصل العمل على تحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي، والسعودية والإمارات كسرتا حاجز الاعتماد على النفط فقط، كما أن مشكلة السياسة القطرية السلبية تبقى رهن العامل الزمني، والأهم أن فكرة انتقال دول المجلس من زمنية "التعاون" إلى زمنية "الاتحاد"، ما زالت بعيدة التحقق في حلم الوحدة العربية على أرض الواقع.

المصدر: "اندبندنت عربية"