بيروت - لبنان

اخر الأخبار

أقلام عربية

10 تموز 2019 06:59ص قرارات طُبخت على نار إيرانية

رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي
حجم الخط
لن يستطيع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إقناع أحد بأن قراراته الأخيرة التي بدت «خروجاً عن النص» فاجأت النظام الإيراني وفيلق قاسم سليماني وقادة «الحشد الشعبي» الموالين لطهران. 
فالحشد «صنع في إيران» تحت فتوى المرجعية الشيعية في النجف، ومعظم قادته الحاليين يحملون الجنسية الإيرانية من هادي العامري زعيم فيلق بدر إلى أبو مهدي المهندس نائب قائد قوات الحشد، مروراً بفالح الفياض رئيس هيئة الحشد. أما مسألة أن الحشد يخضع لقيادة القائد العام للقوات المسلحة العراقية رئيس الوزراء عادل عبد المهدي فهذه «دشداشة إكس إكس إكس لارج».
في بداية الحرب العراقية - الإيرانية عام 1980 تم تشكيل «الجيش الشعبي» برئاسة نائب رئيس الجمهورية الراحل طه ياسين رمضان لإسناد ظهر الجيش النظامي، ومعظم أفراده وقياداته من الكادر البعثي بمختلف المراتب الحزبية. ولم نسمع في يوم من الأيام أن أحداً من كبار أو صغار منتسبي ذلك «الجيش الشعبي» استغل بدلته العسكرية الخالية من أي رُتب واعتدى على المواطنين أو أحرق مزارع الفلاحين أو استولى على منازل المهجرين العراقيين أو نهب محتوياتها كما فعل منتسبو الحشد.
وحين انتهت تلك الحرب التي استمرت ثماني سنوات بعد أن تجرع الخميني كأس السم وهو يوافق على وقف إطلاق النار، أصدر الرئيس العراقي قراراً فورياً بإلغاء الجيش الشعبي وحل تشكيلاته وتسليم أسلحته للجيش العراقي. ولم نسمع عن دمجه مع الجيش النظامي ومنح قادته رتباً عسكرية وامتيازات أو قطع أراض سكنية كما هو الحال مع «الحشد الشعبي». فمعظم قادة هذا الحشد الذين يحملون رتباً تصل إلى مستوى «فريق رُكن» لا يحملون شهادة الدراسة الابتدائية ولا يعرفون أين تقع الكلية العسكرية أو كلية الأركان أو جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا.
أما حكاية «إعادة هيكلة الحشد الشعبي» فليست إلا طريقاً خلفياً للالتفاف على الطلبات الأميركية لحل هذا التشكيل المنفلت الذي تصفه الولايات المتحدة بـ«الإرهابي». والهيكلة هنا تعني تحويله إلى فرق وألوية وأفواج وسرايا ومناصب عسكرية عليا وامتيازات لا تقل عما هو حاصل في فيلق قاسم سليماني.
نحن الآن، بهذا القرار الذي تسرع البعض ووصفه بـ«الشجاع» على شفا تحويل الجيش الحالي إلى حرس ثوري عراقي مرادف لـ«الحرس الثوري» الإيراني. إنها لعبة الأواني المستطرقة تمتد إلى «حزب الله» اللبناني و«الحوثيين» اليمنيين والميليشيات المستنفرة في سوريا.
وأمر طبيعي أن يكون السيد مقتدى الصدر أول المستجيبين لغلق مقرات «سرايا السلام» التابعة له، خاصة بعد أن تصاعدت الخلافات الداخلية مؤخراً بين مساعدي الصدر الذين تلاحقهم اتهامات بالفساد والإثراء الفاحش. ومن الطبيعي أيضاً أن ترحب قيادات «سنية» مشاركة في الحكم بهذا القرار لأنها عانت من التشرذم وتشتت أصواتها في مجلس النواب بين مراكز القوى الشيعية المدعومة من سلاح «الحشد الشعبي»، بحيث انتهى الأمر باستيلاء «الشيعة» على منصبي وزيري الدفاع والداخلية معاً تحت ذريعة أن وزير الدفاع الجديد من عشيرة شَمّر التي تضم شيعة وسنة!
ولم يتردد الأمين العام لعصائب «أهل الحق» قيس الخزعلي في وصف قرار هيكلة «الحشد الشعبي» بأنه «خطوة في الاتجاه الصحيح». ولم يرتجف الخزعلي أيضاً بالتصريح علناً بأن القرار «يُفشل محاولات حل (الحشد الشعبي) أو دمجه». وقد ذهب أبعد مما قصده عادل عبد المهدي، فحمّل الحشد مسؤولية «ضمان أمن العراق ومستقبله». وبهذا يتأكد «ظهور الهلال»؛ وأنه لا حلّ ولا تجميداً ولا حتى دمجاً لـ«الحشد الشعبي»، وإنما هو التفاف شكلي على أي محاولة داخلية أو أميركية لشمول هذا التنظيم الميليشياوي بالعقوبات الأميركية أسوة بـ«الحرس الثوري» الإيراني.
وفي الوقت نفسه، وجدت الحكومة العراقية نفسها في حيص بيص بين العقوبات الأميركية الحازمة ضد إيران والمتعاملين معها، وبين ارتباطها الوثيق بالاقتصاد الإيراني الذي أصبح العراق ساحته الرئيسية بعد أن تخلى الشركاء تحت ضغط العقوبات عن التزاماتهم النفطية وغير النفطية.
وليس سراً أن كبار المسؤولين الإيرانيين الذين توافدوا على العراق خلال الشهرين الأخيرين كان مطلبهم الأول هو أن يظل الباب العراقي مفتوحاً على الاقتصاد الإيراني المنهك. إلا أن النظام العراقي كان يخشى هو الآخر أن تطاله العقوبات الأميركية بعد سلسلة من التحذيرات التي تلقاها من واشنطن. وقد وجدت طهران وبغداد طرقاً بديلة للالتفاف على العقوبات من بينها تغيير آلية شراء الكهرباء من إيران وأسلوب تسديد الديون العراقية المتراكمة لصالحها عبر إيجاد منفذ مالي قوامه الدينار العراقي (الدولار = 1200 دينار تقريباً) لتسديد المشتريات الإيرانية الإنسانية من الخارج.
لن يستطيع رئيس الوزراء العراقي أن يتحمل المطالب الأميركية والإيرانية المتناقضة، لذلك فهو يدفع «بالتي هي أحسن»، والأحسن - كما يرى - قرارات على الورق «لا تسعد الصديق ولا تحزن العدو». «صيف وشتاء على سطح واحد»، كما يقول العراقيون.
 

المصدر: الشرق الاوسط