بيروت - لبنان

اخر الأخبار

أقلام عربية

13 تشرين الأول 2020 07:33ص لمن سيصوت «كاثوليك أميركا»؟ وهل سيكون القرن الحادي والعشرين دينيًّا أم لا؟

حجم الخط

على بعد نحو ثلاثة أسابيع من توجّه الناخبين الأمريكيّين إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس اﻷمريكيّ الجديد، يتساءل المراقبون: "هل سيكون للبُعد الدينيّ العقائديّ دور في التصويت هذا العام، ما يعني ترجيح كفّة مرشح على الآخر؟

علامة الاستفهام المتقدّمة مثيرة للجدل بادئ ذي بدء، ذلك أنّه كيف لأمريكا الدولة العلمانيّة بامتياز أن يلعب فيها التوجّه المذهبيّ والطائفيّ دورًا مهمًّا وحاسمًا في اختيار سيّد البلاد والعباد؟

لعلّه من باب الإفادة التكرار بأنّ أمريكا دولة علمانيّةُ الهويّةِ، لكنّها مغرِقة في الهوى الدينيّ، ومن هنا تتأكّد فكرة تكافؤ الأضداد في الروح اﻷمريكيّة الواحدة.

تبدو المفارقة في هذه الانتخابات من أنّ مسألة الصوت الدينيّ لا تبدو مرتفعة في ظاهر المشهد، لكنّها، وعن حقّ، قائمة بصورة كبيرة ومثيرة.

من جهة نجد الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب محطّ أنظار اليمين الأمريكيّ والتيّار البروتستانتيّ الإنجيليّ بغالبيّة أطرافه وأطيافه، ويزخمه في ذلك بقدر كبير نائبه مايك بنس، الرجل الذي تفرّغَ للعمل التبشيريّ لفترة طويلة من الزمان خلال حياته. ولهذا فإنّه غالبًا سيكون الجواد الرابح لليمين اﻷمريكيّ في الانتخابات الرئاسيّة القادمة 2024 وما يليها.

على الناحية المقابلة، نرى المرشَّح الديمقراطيّ الذي يجاهر ويفاخر دومًا بمذهبه الكاثوليكيّ، وقد صرّح بايدن كثيرًا بأن المسبحة لا تفارق جيبه، الأمر الذي يطرح سؤالاً جوهريًّا هل سيكون الرجل موحِّدًا ﻷصوات كاثوليك أمريكا، وهم كتلة تصويتيّة كبرى، أم أنّ الجميع يدرك أنّها كاثوليكيّة مزيّفة، لا سيّما وأنّ بايدن مثل رئيسه السابق أوباما يدور في فلك جماعات الإسلام السياسيّ، ويمكن أن تكون فترتُه الرئاسيّة المقبلة امتدادًا لولايتَيْ الرئيس السابق؟

قبل الدخول في عُمق المقاربات عمّا يفعله العزف على اﻷوتار الدينيّة بالنسبة لكلٍّ من المرشّحَيْن، يَعِنّ لنا أن نتساءل: "لماذا الإقبال المتصاعد على اﻹيمان كحجر زاوية في أمريكا خاصّة والدوائر الغربيّة عامّة في العقدَيْن الأخيرَيْن، وربّما منذ اختيار بوش الابن بصورة خاصّة؟

باختصار غير مُخِلّ، يمكن القطع بأنّ العلمانيّة الجافّة، واﻷنوار التي تعمي من جرائها قد جعلت الملايين يتساءلون عن الهدف من الحياة، وعن الجفاء الذي ساد، وعن الكرامة الإنسانيّة التي سُحِقَت ومُحِقَت تحت تروس الرأسماليّة والنيوليبراليّة في أسوأ صورها، والتي بدتْ صِنْوًا للشيوعيّة وإنْ بصورة مختلفة، فيما المحصِّلة النهائيّة أدّتْ إلى تسليع اﻹنسان وتقزيمه.

كانت ولا تزال هذه هي العاصفة التي هبَّتْ على الغرب، ومن هنا بدا وكأنّ الجميع يبحث عن أقرب مرفأ، الأمر الذي عاد بنا من جديد إلى مقولة برنارد شو، عند العاصفة يلجأ المرء إلى أقرب مرفأ. وقد كان اﻹيمان هو العدسة التي يرى من خلالها مسيحيّو أمريكا اﻷمريكيّون أعمال السياسة، ومن هنا ربّما تكون النظرة الدينيّة للمرشّحَيْن هي المفتاح للفوز في هذه الانتخابات القادمة.

تُخبِرنا نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016 أنّ الناخبين اليمينيّين الإنجيليّين قد لعبت دورًا مهمًّا وحاسمًا في فوز دونالد ترامب، ذلك أنّ أكثر من ثمانية من بين كلّ 10 صوّتوا لصالح دونالد ترامب في ذلك الوقت، ولا يزالون جزءًا فاعلاً من قاعدته الانتخابيّة الرئاسيّة.

هل سيتكرّر التصويت اليمينيّ لترامب هذه المرّةَ على النحو السابق ليحسم التنافس، على الرغم من أنّ بعض استطلاعات الرأي تقول حتّى الساعة بتقدُّم بايدن؟

أولاً: علينا أمام قضيّة استطلاعات الرأي ألّا نأخذ بها على محمل الجِدّ مرّة وإلى اﻷبد، لا سيّما وأنّ هناك كتلة تصويتيّة كبيرة لا تتعاطى مع مسألة استطلاعات الرأي بالإيجاب، أي أنّها لا تجيب على الهواتف، ولا تردّ على الإيميلات، ما يعني أنّها خارج أطر الاستطلاعات، اﻷمر الذي يُلقي بشكوك واضحة حول دقّة وموثوقيّة تلك الاستطلاعات.

ثانيًا: فيما يخصّ دعم التيّار اﻹنجيليّ اليمينيّ لترامب، يبقى في غالب الأمر على وتيرته، لا سيّما وأنّ الرجل عرف كيف يُغازِل جماعات "الواسب" أي البروتستانت البيض الأنجلو-ساكسون، ومن منطلق ديموغرافيّ أوّلاً، حيث جاءت شعاراتُه وتوجّهاته داعمةً لهم في مقابل جنسيّات أخرى تتصاعد أعدادُها يومًا تلو اﻵخر، وبما يمكن أن يهدِّد الرجل الأبيض عدديًّا عند لحظة معيّنة من التاريخ.

ولعلّ كورونا تحديدًا قدّمتْ فرصة ذهبيّة لترامب؛ فقد ألزمت اﻷمريكيّين منازلَهم، وهناك وجدوا الكنيسة والوُعّاظ يصلّون إليهم في منازلهم عبر شبكات التواصل الاجتماعيّة والبرامج الدينيّة المتلفَزة، وبين هذه وتلك كان الدعم لترامب واضحًا وقويًّا ومحفّزًا.

على أنّه وفي وسط اﻷجواء الإعلاميّة اﻷمريكيّة، كان هناك من يُوجِّه النقد لترامب من قلب هذا التيّار اليمينيّ، مثلما فعل "مارك غالي" رئيس تحرير مجلة "كريستياني توداي"، والمهتمّة بشؤون مسيحيّي أمريكا، فقد اعتبر أنّ ترامب شخصيّة غير أخلاقيّة، لا سيّما حين حاول استخدام سلطته لإكراه رئيس أوكرانيا على تشويه صورة بايدن، غير أن الوقائع تؤكّد أنّ غالي لم يكن صوتًا مؤثّرًا ولا يزال داعمو ترامب على مواقفهم.

هل الصوت الكاثوليكيّ سيكون مرجّحًا للفائز هذه المرّة؟

المعروف أنّ بايدن لو فاز سيكون الرئيس الثاني الكاثوليكيّ في تاريخ الولايات المتّحدة الأمريكيّة، غير أنّ هناك فارقًا شاسعًا بينه وبين جون كيندي، أوّل رئيس كاثوليكيّ لأمريكا، من حيث العمر والكاريزما واﻷوضاع السياسيّة المحيطة بالعالم وحالة المواجهة القطبيّة التي كانت سائدة في ستينيّات القرن المنصرم.

مهما يكنْ من أمر، فإنّ أصوات الكاثوليك البيض كانت في 2016 قد حسمتْ ولايات فاز بها ترامب بفارق ضئيل. وعليه، فهل ستتوجّه تلك اﻷصوات لصالح ترامب أو لبايدن؟

لا يبدو بايدن كاثوليكيًّا بمطلقيّة المشهد، فموقفه على سبيل المثال من قضيّة اﻹجهاض متأرجِح، في حين أنّ ترامب حازم في رفضه للإجهاض وقتل الحياة، ما يجعله مرشَّحًا أكثر قبولاً من كاثوليك أمريكا وإنجيليّيها على حدٍّ سواء.

هل تُوجِّه الكنيسة الكاثوليكيّة هناك مؤمنيها لصالح مرشَّحٍ بعينه؟

المعروف أنّ الجماعات البروتستانتيّة لا تخضع لرئاسة دينيّة واحده، ولهذا فهناك المئات من تلك الجماعات ذات التوجُّهات المتباينة، في حين يبقى كاثوليك أمريكا في خضوع روحيّ للحبر الرومانيّ الأعظم، بابا روما، من جهة، وإداريًّا يشملهم ما يُعرَف بمجلس الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتّحدة، وهؤلاء عادةً ما يُصدِرون وثيقة توجيه للناخبين اﻷمريكيين الكاثوليك.

لا تُلزِم الوثيقةُ أيَّ مواطن بمُرشَّح ما، وإنّما تضع عناصر إرشاديّة تتشابك فيها الخيوط وتتقاطع الخطوط بين كلِّ مرشَّح وآرائه وبرنامجه الانتخابيّ. وعليه، ففي ظلّ الرفض الواضح من الكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة للإجهاض، تبقى حظوظ ترامب في الحصول على الصوت الكاثوليكيّ أكثر من حظوظ بايدن.

حين تساءل أديب فرنسا الأشهر في ستينيّات القرن الماضي عن القرن الحادي والعشرين وهل سيكون قرنًا دينيًّا أم لا، بدا وكأنّ الرجل يستشرف قادم اﻷيّام.

أمّا عن أمريكا… فانظرْ ماذا ترى؟

المصدر: سكاي نيوز