بيروت - لبنان

اخر الأخبار

أقلام عربية

14 حزيران 2020 09:53ص هل قرّرت أميركا الانسحاب من الشرق الأوسط وإخلاء المجال للنفوذ الروسي والتركي؟

حجم الخط

ما الذي يجري في الشرق الأوسط من البحر الأحمر إلى المتوسط؟

باختصار غير مُخِلّ المزيد من الفوضى التي تقف تركيا وراءها بشكل غير مسبوق، وفي حالة من التخاذُل الدوليّ غير المسبوق، لا سيّما من قِبَل الولايات المتّحدة الأميركيّة، رأس الناتو ورمحه الضارب.

من اليمن إلى تركيا، تمضي أوهام الأغا العثماني الحالم على عكس حركة التاريخ وعقارب الساعة بإعادة سيرة إمبراطوريّة ظلاميّة تسبّبتْ في تأخُّر العالم العربيّ قرونًا طويلة عن مسار التطوُّر التاريخيّ.

الدور التركيّ في اليمن لم يعد سرًّا، فقد باتت الأراضي اليمنيّة ملعبًا لحروب الوكالة، وضُبَّاط رجب طيب أردوغان يسرحون ويمرحون في المحافظات التي يسيطر عليها الإخوان، ويومًا تِلْو الآخر يتزايد الوجود التركيّ الساعي لتحقيق ثلاثة أهداف:

أوّلاً: إنقاذ جماعة الإخوان هناك، وهي مركز الثقل الأردوغانيّ الذي يبني عليه رؤاه الإرهابيّة، ويتّخذ من التنظيم الدوليّ أدواتٍ لبَثّ الاضطرابات وإثارة القلاقل في الخليج العربيّ وبقيّة الشرق الأوسط.

ثانيًا: تأمين موطئ قدم لتركيا على الساحل الشرقيّ من البحر الأحمر وبالقرب من خليج عدن وباب المندب، في محاولة للتأثير على مسارات ومساقات الملاحة الدوليّة في البحر الأحمر بنوع خاصٍّ.

ثالثًا: الخلاص من فائض الإرهاب الذي تكاثر لديه من مرتزقة في المناطق التي تحتلّها أنقرة في شمال سوريا وملئها بمقاتلين أتراك، وليعيث هؤلاء فسادًا وإرهابًا حول العالم كما يشاؤون.

ما يتطلّع إليه السلطان العثمانيّ الأبوكريفيّ في اليمن هو أن تضحي مدينة تعز نقطة الانطلاق لحشد القوّات باتّجاه عدن لقتال المجلس الانتقاليّ، ومن ثمّ لاستهداف الساحل الغربيّ، والبقيّةُ تأتي.

هل تغيب هذه التكتيكات عن الأعين الأميركيّة التي تجوب البحار والمحيطات عطفًا على السماوات طوال الساعات الأربع والعشرين، والتي تعكس إستراتيجيّات تركيا المتحالفة مع القيصر الروسيّ، والتي لديها استعداد فطريّ للغدر والخيانة والبراغماتيّة القاتلة، والدليل على ذلك ما يجري بينها وبين الصين من وراء ظهر موسكو وواشنطن معًا؟

لنتركِ الجوابَ لنهاية هذه السطور، ولننتقل إلى الجانب الآخر حيث ليبيا على شاطئ المتوسط، وحيث الخطط الأردوغانيّة لتحويل المنطقة إلى ساحة حرب مفتوحة.

لم يَأْلُ أردوغان جهدًا في تحويل ليبيا إلى حاضنةٍ للإرهاب الأمميّ، فقد نقل أكثر من 12 ألفًا من المرتزقة إلى غرب ليبيا، حيث السرّاج والإخوان والدواعش، وحيث بقيّة الجماعات الإرهابيّة التي ما أنزل الله بها من سلطان.

الأغا المحتلّ، تراوده أمنيات السيطرة البائدة من جديد، طَمَعًا في ثروات ليبيا الطبيعيّة، وخدمةً لمشروعه الدوغمائيّ الذي انكسر في مصر في يونيو من 2013، قبل سبع سنوات، وطرد من الباب شرّ طردة، وها هو يحاول العودة من النافذة الليبيّة.

شهوة قلب أردوغان أن يقيم حضورًا عسكريًّا على ساحل البحر الأبيض المتوسّط، بالتنسيق مع فلاديمير بوتن الذي يتلاعب به على خارطة الشطرنج الإدراكيّة الدوليّة، والقادر على سحقه ومحقه وقتما يشاء وكيفما يشاء، والذي لا يأمن شرّ الأتراك من قرون طوالٍ.

ليبيا لا تهمّ أردوغان، إلا بشروط معيّنة، في مقدّمتها ابتزاز أوروبّا، والانتقام التاريخيّ للماضي الذي لم تَخْبُ نيرانُه في صدر أردوغان ومَنْ لَفَّ لفَّهُ.

وثانيًا فرض مربّعات نفوذ على ساحل المتوسط، وإقامة شراكات جبريّة مع دول المنطقة صاحبة الحقوق الوضعيّة فيما يخصّ غاز شرق المتوسّط بنوع خاصّ.

لماذا يتوجَّبُ على الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب وإدارته التحرُّك بأسرع ما يمكن لاستنقاذ مربّع قوّة ونفوذ جديد سوف تملأه روسيا في البحر الأبيض المتوسِّط؟

عبر تقرير مطوَّل منشور على موقع "بريكينغ ديفينس" الأميركيّ، والمتخصّص في التحليلات العسكريّة والسياسيّة يخلص المرءُ إلى أنّه على إدارة ترامب التدخُّل بأسرع ما يمكن في الأزمة الليبيّة، وذلك نظرًا لما تمثّله طرابلس من أهمية لواشنطن، وكذلك لمواجهة تأثير تركيا المتنامي في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.

أمران يهمّان واشنطن بشكل عاجل في ليبيا: الأوّل هو الخوف من أن تتحوّل إلى بؤرة جديدة للإرهاب الداعشيّ، والكارثة هنا أن تصبح ليبيا المدخل إلى العمق الأفريقيّ، وساعتها ستجد داعش إمكانيّات وأراض شاسعة وفسيحة لإقامة إمبراطوريّة إرهابيّة، لا تقارن بما حاولته في العراق وسوريا، الأمر الذي سيؤثِّر حتمًا على مصالح الولايات المتّحدة في القارّة السمراء ويتهدّدها.

والثاني هو أن تَدَخُّل تركيا الأخير في ليبيا يخلق حربًا بالوكالة ومنافسة إقليميّة على الطاقة تهدّد المصالح الأميركيّة الحيويّة، بينما يُلاحَظ غياب واشنطن واكتفاؤها بمراقبة من بعيد.

هل ستترك واشنطن أردوغان يتلاعب مع بوتن بمستقبل المتوسّط، أم أنّه حان الوقت لتأكيد دورها القياديّ الحاسم في معالجة الصراع الليبيّ وإحباط التأثير التركيّ الروسيّ على هذا البلد الإستراتيجيّ على أعتاب أوروبّا، وبما يمثّله من تأثير على توازنات مستقبل الطاقة العالميّة؟

من الواضح أن أطماع وجنون أردوغان يمضيان إلى ما هو أبعد، فقد كشفت صحيفة "يني شفق" التركيّة، القريبة من الدوائر الحاكمة في أنقرة عن اعتزام أردوغان إقامة قاعدتين عسكريّتَيْن غربي ليبيا، وتحويل المليشيات والمرتزقة إلى جيش لحكومة الوفاق الإخوانيّة.

هل سينتظر الناتو طويلاً على قواعد عسكريّة روسيّة اليد العليا في مطار الوطية مزودة بمنظومات دفاع جويّ حديثة وغرفة عمليّات طائرات مسيرة، إضافة إلى قاعدة أخرى بحريّة في ميناء مصراتة بقدرات هجوميّة دائمة وتجهيزات استطلاعيّة وسفن حربيّة مساندة؟

ليس من صالح واشنطن بالمرّة قيام نظام يجمع بين إرهاب إيران ومكر تركيا على ساحل المتوسّط، وكلاهما يحمل رؤى كارثيّة للغرب، ولهذا ربّما يكون الاتّصال الهاتفيّ الذي جرى من جانب الرئيس الأميركيّ مع الرئيس المصريّ، لدعم وزخم إعلان القاهرة، بداية لتحرُّك حقيقيّ للموقف الأميركيّ من ليبيا وما يجري في سياقها والذي بات يتجاوز فصائل متقاتلة إلى إعادة رسم جغرافيّة حوض البحر الأبيض المتوسّط من جديد.

التوجُّه الأميركيّ من الملف الليبيّ غالبًا سيحسم الجواب عن السؤال الجوهريّ: "هل قرّرتْ أميركا الانسحاب من الشرق الأوسط وإخلاء المجال والنفوذ لروسيا وتركيا أم لا؟