بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 تشرين الثاني 2022 12:00ص 130ألف لبناني يغادرون خلال سنتين:ما هي مخاطر الهجرة الإفلاسية هرباً من اليأس والانهيار والإحباط؟!

حجم الخط
107.372 مواطنا ومواطنة غادروا لبنان في السنتين الأخيرتين وقد يتجاوز عددهم الـ130.000 في نهاية العام. هذا ما صرّح به مدير المؤسسة الدولية للمعلومات جواد عدرا!
ما هي خطورة هذه الموجة الأخيرة الجديدة من الهجرة التي تسببت بها الأزمة الاقتصادية المالية النقدية الاجتماعية غير المسبوقة التي يتخبط فيها لبنان منذ 2019 والتي جعلت الناس «تستميت» للخروج الى أي بلد، وللعمل بأي  وظيفة وبأية شروط هربا من اليأس والانهيار والاحباط لدرجة انها  فضّلت  قوارب الموت التي أودت بحياة  المئات  غرقا في عرض البحر على البقاء في بلد يتحلل ويفقد مقومات العيش؟!
للبدء فأن الاغتراب اللبناني غير جديد، ولطالما رغب اللبناني بالسفر لتطوير وتوسيع أعماله وأسواقه وتحسين مستوى معيشته. والاغتراب بلا أدنى شك  هو نعمة للبلدان التي استقر فيها اللبنانيون وللوطن على حد سواء من خلال التحاويل التي كانوا ولا زالوا يرسلونها وهي سبب صمود العديد من العائلات في لبنان: لكن المخيف في الموضوع اليوم أننا بصدد هجرة جديدة إفلاسية غير بنّاءة، إذ ان قسما كبيرا من اللبنانيين يهدف للحصول على جنسية أخرى والاستقرار في بلد آخر، كما ان هذه الهجرة الحديثة من شأنها أن تفرغ البلد من  كوادر وكفاءات في مجالات عدة حيوية، يكفي أن نذكر القطاع الاستشفائي والتعليمي على سبيل المثال لا الحصر.
نذكّر أن الاغتراب اللبناني مرَّ بموجات عدة، وعمره مئات السنوات، الموجة الأولى بعد الحرب العالمية الأولى وبعدها الثانية ثم جاءت الحرب اللبنانية، إذ أن موجات عدة اتجهوا الى بلدان عدة، نذكّر بموجة كبيرة من هجرة اللبنانيين قصدوا أميركا اللاتينية وبلدان أخرى كان فيها حروب وعدم استقرار وساعدوا بإنمائها وإعادة نهوض هذه البلدان وحتى الى تطويرها، وهناك موجة اللبنانيين الذين هاجروا الى أفريقيا، نذكر انهم غادروا على متن  بواخر دون أن يعلموا مقاصدهم، نزلوا في بلدان لم يكونوا على علم باسمها وانخرطوا بحياتها اقتصاديا واجتماعيا وصناعيا، وبرزوا في كل المجالات، وهناك الموجة التي سافروا فيها الى الدول العربية أيام الفورة بأسعار النفط وساهموا بنهوض هذه البلدان وإعمارها اقتصاديا واجتماعيا، ولا ننسى الذين سافروا الى أستراليا وأوروبا.
لكن مهم جدا أن نعرف، كما يقول  رئيس الاتحاد الدولي للرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين الدكتور فؤاد زمكحل «أن الاغتراب اللبناني كان مبني أو أساسه التطور بمعنى ان اللبناني الناجح كان يذهب ليصدّر نجاحه ومعرفته، ليكتسب  خبرة، ليطوّر أعماله وأسواقه. كان الاغتراب اللبناني دائما أساس في الاقتصاد اللبناني، كان يمثل 20% من الناتج المحلي اليوم أصبح 40 أو 50%. إلا أن المخيف في الاغتراب اللبناني أنه اليوم من يغادر هو يهرب من البلد لا يختار الوجهة   بل يقصد أول بلد يمنحه تأشيرة الدخول، المغترب اللبناني الجديد لا يختار مهنته في البلد المضيف بل يقبل بأي عمل يعطيه أي مدخول هربا من لبنان وهذا يغيّر كثيرا من قصد الاغتراب الذي كان بنّاء ويحوّله الى اغتراب الهروب من اليأس، لأن الناس فقدوا الثقة ببلدهم للمدى القصير والمتوسط، وأتمنى أن لا يكون للبعيد: إذن الاغتراب اللبناني تغيّر واللبناني بات يذهب الى أي بلد يعطيه «فيزا» ويقبل بأي عمل حتى لو لم يكن في مجال عمله كي يؤمّن لقمة عيشه، وتغيّر هدفه التطويري كي يطور نفسه عمله وسلعه وبات هربا من اليأس والانهيار والاحباط الموجود في لبنان».
ألا تفرغ هذه الهجرة الأخيرة البلد من الكفاءات في مجالات  حيوية معينة مثل القطاع الاستشفائي والتعليمي وغيره؟ سألنا نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون الذي أكد أن  هذه الهجرة لها تأثير كبير على القطاع الاستشفائي، سواء لناحية جودة الخدمات أو نوع الخدمات التي تقدمها، نحن نشهد مستشفيات تقفل أقساما منها، بسبب غياب  أعداد الأطباء والممرضين الذين يتولون العمل فيها. مشيرا الى أن الخطورة برأيه ان الذين يسافرون  خلال السنتين الأخيرتين هم بين الفئة العمرية 30 و50 سنة لديهم كفاءات عالية وراكموا خبرات جيدة. والذين يغادرون بغالبيتهم يفكرون بالاستقرار في البلدان التي انتقلوا إليها وحتى أن هناك قسما منهم من الذين قصدوا فرنسا أو كندا على سبيل المثال وهم يهدفون للحصول على جنسية هذه البلدان فتكون هجرتهم نهائية. وهذا الأمر سيشكّل   بحسب هارون فجوة في الخدمات الاستشفائية من المتوقع أن تستمر  لسنوات عدة  أو لجيل كامل حتى إذا اصطلحت الأمور في لبنان يمكن أن نعوض عن هذه الهجرة التي حصلت وإلا فنحن ذاهبون الى الأسوأ والى  مزيد من هجرة هذه الخبرات.
فيما أكد عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف د. فؤاد زمكحل انه «لا تخيفني هجرة الكفاءات، لأنه تغادر كفاءات وتبقى كفاءات، يقولون يغادر الأذكياء وهذه إهانة لمن بقي  في البلد. لكن المخيف هو القهر الذي نراه عند الذين يغادرون ليبنوا حياة جديدة لهم ولأولادهم وأحفادهم. ما يخيفني هو الاغتراب الافلاسي وغير المنتج والبناء الذي اختلف عن الماضي. لست ضد الهجرة بالعكس يجب أن يكون لدينا اغتراب لبناني يزرع شجرة الأرز وعلم لبنان في كل بلدان العالم لكن بشرط أن يبقى عنده حبه للوطن وتبقى لديه الرغبة في العودة  ولديه ثقة ببلده هذا ما نفقده للأسف!