بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 تشرين الثاني 2021 12:01ص آخر البدع... مصارف تحسم 10% من أي مبلغ ينتقل من حساب لآخر!

حجم الخط
في غياب دولة غاب عنها القانون، الكل يعبث ويلعب بحقوق الناس لمصلحته وعلى هواه. وآخر «فنون» العبث واللعب البدعة التي ابتكرها عدد من المصارف بحسم نسبة ١٠% من أي مبلغ ينتقل من حساب الى حساب آخر وبطريقة اعتباطية ودون أي مسوغ قانوني أو شرعي سوى ما تفرضه المصارف وحدها على أصحاب الحسابات الذين باتوا أمام أحد حلّين لا ثالث لهما:

إما القبول بالأمر الواقع بكل ظلمه المجحف وخسارته المحتومة أو... إقفال الحساب من قبل المصرف دون أن يتاح لأي مودع إمكانية فتح أي حساب بديل في أي مصرف آخر، وذلك بعد أن توقف «كارتيل» المصارف بالإجماع عن فتح أي حساب جديد لأي مؤسسة أو فرد، فيما تواصل المصارف «نهش» القوة الشرائية من الودائع سواء كانت بالعملة الأجنبية (عن طريق صرفها للمودع بـ٣٩٠٠ ليرة لكل دولار أي أقل بنسبة ٥ إلى ٦ أضعاف من القيمة الحقيقية في سوق العرض والطلب الحقيقية) أو حتى ولو كانت الوديعة بالليرة اللبنانية عن طريق وضع حد للمبالغ المسموح بسحبها من الوديعة خلال فترات دورية. وهذا إضافة إلى ما تفرضه المصارف منذ بداية الأزمة من عمولات ورسوم و«جعالات» على كل الحسابات بمختلف العملات، ودائما بتشريع فردي واستنسابي من طرف واحد هو المصارف التي تمكنت بفرض سحوبات بالليرة من ودائع الدولار وبسعر صرف «رمزي» مخفض من «تشحيل» ما يقارب ٨ مليارات دولار من ودائع الدولار الملتزمة بها تجاه المودعين، بدليل الإنخفاض الكبير في حجم الودائع بالعملات الأجنبية من ١١٥ مليار و٣٥٩ مليار دولار نهاية حزيران ٢٠٢٠ إلى ١٠٧ مليار و٧٤٤ مليون دولار نهاية حزيران ٢٠٢١. وهذا في وقت تقلص حجم التسليفات المصرفية للقطاع الخاص المقيم من ٣٢٠٣٢ مليار دولار نهاية ٢٠٢٠ إلى ٢٨٢٢٥ مليار دولار في حزيران ٢٠٢١.

وكل هذا العبث في ظل دولة غائبة غاب عنها القانون، يجري في أجواء انعدام الشفافية في قطاع مصرفي من حق المواطن، مودعا كان أم غير مودع، مقيما كان أم مغتربا، أن يعرف كل الحقائق عن وضعه وطريقة عمله. حيث أن المصارف لم تكن يوما عبر التاريخ مجرد شأن خاص يتعلق فقط بإداراته ومساهميه على غرار الشركات الخاصة أو المؤسسات الفردية، بل هي شأن عام كونها الوحيدة من بين سائر القطاعات التي يحق لها قانونا تلقّي ودائع وإدخارات الشعب وإقراضها وإستثمارها، وبالتالي ينبغي أن تكون موازناتها شفّافة ومفصّلة كي يكون الجمهور على اطّلاع كامل عن أوضاع الجهة التي سيوكل إليها الأمانات النقدية وبثقة تامة. ومن هنا كانت كلمة Credit أي الحساب الدائن أو الوديعة في البنك مستمدة من الكلمة اللاتينية Credere التي تعني To Believe أن تصدق وتثق. وهذا هو المطلوب الآن من المصارف اللبنانية التي ليس من الواضح حتى الآن إلى أي حد نفذت مضمون التعميم رقم ١٥٤ الصادر عن مصرف لبنان الذي طلب إليها:

١- زيادة الرأسمال بحيث تصبح قادرة على إستعادة الثقة بها وعلى ضخ القروض والتسليفات بحيث يستعيد الاقتصاد بعض عافيته وقوته.

٢- زيادة أرصدتها لدى المصارف العالمية المراسلة بحيث تستعيد ثقة هذه المصارف وتصبح مؤهلة لتمويل تجارة لبنان الدولية، وذلك بعد أن تراجعت ثقة المصارف المراسلة بالقطاع المصرفي اللبناني نتيجة المحنة النقدية والمالية والاقتصادية التي تعصف بلبنان على مدى العامين الأخيرين.

٣- مصير الطلب الذي حثّ به البنك المركزي المصارف للسعي في إقناع المودعين الذين حوّلوا أموالا إلى الخارج في فترة محددة، كي يعيدوا هذه الأموال إلى حساباتهم لدى المصارف تحت طائلة مساءلتهم عن مصدر هذه الأموال في حال امتنعوا عن إعادتها. حيث لا شفافية حتى الآن حول كمية الأموال التي جرى إعادتها بالفعل وما يمكن استعادته في المدى المنظور لتعزيز السيولة المتناقصة لدى المصارف.

وكل هذه المعلومات المطلوبة التي ما تزال قيد الكتمان، لم يعرف عنها سوى ما يرشح أن هناك عددا قليلا من المصارف التزم بها بما يمكنه البقاء والإستمرار وإستعادة دوره في الأسواق، فيما عدد كبير من المصارف لم يتمكن أو يسعى إلى الإلتزام مطالبا بتمديد المهلة التي يتمكن خلالها من البقاء تجنّبا لوقف أعماله وربما إلغاء رخصته أو دمجه بمصارف أخرى بما يؤدي ألى قيام «كارتيلات» مصرفية أكبر تزيد إمعانا في العيش على فوارق القوة الشرائية لأموال المودعين عبر المزيد من تجاوز الأنظمة والمعايير واختراق الشرائع والقوانين.