بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 تشرين الأول 2021 12:00ص أسعار المحروقات بين التضخُّم الخارجي والفساد الداخلي

حجم الخط
الأخبار عن تطورات الأسعار في العالم وتأثيرها على دول العالم الثالث والدول النامية (وقد انضم لبنان إليها أخيرا إلى جانب دول أخرى ينهار اقتصادها وتتساقط مقوماتها) تشير إلى أزمات اقتصادية وكوارث اجتماعية كبرى لا يمكن لهذه الدول إحتواءها بل ستكون أسيرة لها على غرار ما حصل أخيرا في لبنان الذي بعد أن أصيب بجراح إرتفاع أسعار المحروقات بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار في الداخل، أصيب أخيرا بجراح بالغة الخطورة في المزيد من إرتفاع أسعار المحروقات بسبب إرتفاع أسعار النفط ومشتقاته في الخارج.

وأما ما هو على الطريق من جراح أكثر خطرا فليس من باب التشاؤم الكشف عنها وعن ما تحمله من عدوى جديدة من الاقتصاد العالمي للاقتصاد اللبناني الذي لكثرة ما أصابه من أنواع الجراح يكاد يصحّ فيه قول الشاعر: «وصرت إذا أصابتني سهام تكسّرت النصال على النصال»!

فما هو الجديد من نوع الآتي أعظم وربّ يوم كنت فيه فإذا صرت في غيره بكيت عليه!

في دراسة للدكتور محمود محيي الدين المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي وعضو مجلس إدارة الصندوق ممثلا لمصر ومجموعة الدول العربية والنائب الأول لرئيس البنك الدولي لأجندة التنمية والمبعوث الخاص للأمم المتحدة، ما يهم بشكل مباشر اقتصاد لبنان وسواه من الدول النامية لجهة التأثيرات الخارجية الخطيرة على الأوضاع الداخلية، وذلك في ان «العالم خلال الشهور الماضية شهد ارتفاعات متوالية في معدلات زيادة أسعار لسلع متنوعة ومدخلات إنتاج، مثل القطن والأخشاب وأشباه الموصلات، والملابس الجاهزة. وفي مقال صدر أخيرا لفرانسيسكا كاسيلس وبراتشي، إشارة إلى قفزات أسعار الغذاء العالمية بنحو ٤٠% أثناء انتشار وباء الكورونا، بما سبّب ضغوطا على الدول منخفضة الدخل التي يشكّل فيها استهلاك الطعام نسبة كبيرة من الإنفاق العائلي (وبما ينطبق بالطبع على حال لبنان الآن) وانه مع تخفيض القيود التي فرضت مع الجائحة سترتفع أسعار السلع والخدمات بسبب ضعف قدرة العرض على ملاحقة الطلب بعد فترة من الإغلاق الكلي والجزئي. وان ما نعتبره اليوم مؤقتا في ارتفاع الأسعار قد يطول مداه ما لم تتخذ في مواجهته الاجراءات النقدية المناسبة. وما نفترض انه من العوارض المؤقتة في سلاسل الامداد المسببة لنقص السلع قد يتحول إلى مشكلات هيكلية مزمنة، ما لم يتحوّل توجيه الإستثمار في زيادة القدرة الإنتاجية وتطوير البنى الأساسية.

وحول إمكانية التعامل السريع مع هواجس الركود أو ارهاصات التضخم وبرغم صعوبتها، يستشهد الدكتور محيي الدين بكتاب الاقتصادي ماركوس برونماير الصادر مؤخرا عن «المجتمع المرن ذي القدرة السريعة على التعامل مع الأزمات. والكتاب يشبه صانع القرار في زمن الأزمة كمن يقود دراجة هوائية يقودها بحذر، فلا يسقط يمينا حيث هوة الركود أو يسارا حيث فخ التضخم، ولكل من الاثنين أدواته المالية والنقدية وإجراءاته الهيكلية في التعامل معه. وما نجده اليوم ما هو إلا إشارات مبكرة محذّرة، فما زال هناك فرص سانحة للتوقي منه، ولا يكون ذلك بتجاهله، أو بافتراضات سخيّة عن قدرات السوق لتصحيح نفسها. فالوقاية المبكرة خير من العلاج المتأخر. إذ يظل كل هذا قليل التكلفة مقارنة بتكاليف علاج الركود التضخمي الذي لن يتلاشى بمجرد تجنب ذكر اسمه إذا كان موجودا بالفعل».

وأمام هذه المخاطر العالية المحتملة والمرتقبة التي يشير إليها الدكتور محيي الدين يبدو لبنان الذي يمرّ الآن في محنة اقتصادية تاريخية، عاجزا عن مواجهة «الآتي الأعظم»، فلا أدوات لديه مالية ونقدية للاستثمار المطلوب في زيادة القدرة الانتاجية وتطوير البنية التحتية، والطبقة السياسية الحاكمة تقف حاجزا عاليا بينه وبين إنجاز الإصلاحات الهيكلية المطلوبة.

كما لم يظهر حتى الآن في لبنان صانع القرار ذو القدرة السريعة على التعامل مع الأزمات الذي يتحدث عنه كتاب ماركوس برونماير القادر على ركوب دراجة هوائية تسير في ممر أعلى قوتين على جانبيه، فلا يسقط يمينا حيث هوة الركود، أو يسارا حيث ينتظره فخ التضخم، بل يقود الدراجة بحذر وعلم وخبرة وببصر وبصيرة، من بؤرة المخاطر إلى بر الأمان.

أخبار ذات صلة