برغم ما يعاني منه المودعون بسبب تحديد المصارف سحوبات متدنية من أرصدة العملات الأجنبية، ولو مع سهولة السحوبات بالليرة اللبنانية، يلجأ عدد كبير من المودعين الى سحب مبالغ ضخمة من أرصدتهم بالعملات الأجنبية، ليس لاستخدامها في طواريء معينة، وانما للمضاربة، أو لمجرد الحصول مقابل دولاراتهم على مبالغ بالليرة بالسعر المرتفع الذي يشتري به الصرافون الدولار في السوق الموازية، أي بما يتراوح بين 2000 أو 2010 ليرة لبنانية لكل دولار واحد، مستفيدين من الفارق بين سعر الدولار لدى المصرف (1517 ليرة) وبين سعره المرتفع لدى الصراف. وبما يشبه المثل السائد «مصائب قوم ـ أي الحالة النقدية في لبنان ـ عند قوم «فوائد»، لجهة المحصول الأكبر الذي يقطفونه من صرف الدولار بالحد الاقصى من العملة اللبنانية في السوق الموازية.
وأمام السؤال: بأنه ليس الجميع من يسعى الى المضاربة أو الاستفادة من فارق السعر وانما يريد البعض سحب رصيده بالدولار أو جزء كبير منه، لاستخدامه مثلاً في شراء موجودات عينية، يجيب مصرفيون: في هذه الحالة يمكن للمودع بالعملة الأجنبية أن يعطي البائع الذي سيشترون منه هذه الموجودات «شيكا مصرفيا» بالدولار بقيمة الموجودات، ويمكن للبائع بدوره سواء تجيير هذا الشيك الدولاري لسواه سواء لشراء موجودات عينيه، أو بايداعه في المصرف لتسديد ما قد يستحق عليه كلياً أو جزئيا من استحقاقات مدينة بالعملة الأجنبية.
وهكذا فان «الشيك» المصرفي بالدولار الذي هو في القانون والعرف وثيقة ابراء رسمية، بات الآن في الأوضاع المصرفية الحالية في مكان «الدولار النقدي»، ينتقل من يد الى يد ومن حساب الى حساب وكأنه «عملة ورقية» مستحدثة.
صحيح ان هذه الوسيلة الورقية (أو الشك المصرفي) لا يقبضها حاملها بشكل نقدي، لكنها في النهاية باتت أكثر فأكثر وسيلة الدفع» في الأسواق. ويضرب هؤلاء المصرفيون مثلا في الغرب، (لا سيما في الولايات المتحدة) حيث جزء هائل من عمليات الشراء لا تحصل بالعملة النقدية، وانما ببطاقات الاعتماد CREDIT CARDS أو بالشيكات.
لكن ماذا عن التجار الذين لا يمكنهم الاستيراد من الخارج بهذه الاداة المستحدثة في التداول بشيكات تنتقل محلياً من يد الى يد في الداخل فقط، فيما هم يحتاجون لعملات أجنبية لدفعها في الخارج مقابل السلع التي اعتادوا على استيرادها بهذه العملات.. هنا يجيب مصرفيون: انه جرى تخصيص حوالي 6 مليارات دولار لاستيراد الحاجات الأساسية مثل القمح والدواء والبنزين، مع وضع «كوتا» محددة لأنواع من الاستيرادات الاضافية لأي سلعة ضمن حدود معينة، ويتوقف مدى تزويدها بالدولار على وضع العميل المستورد وعلاقته مع المصرف، وعلى نوع السلع ومدى حاجة الأسواق اليها، بما يمكن التاجر المستورد ـ في ضوء هذه الحاجة ـ من استيرادها وبيعها بسهولة وتسديد التسهيلات التي قدمها له المصرف لاستيرادها.
ويبقى أخيراً، الحاجة للدولار بغرض السفر أو لتسديد نفقات الدراسة خارج لبنان وما يلقى هذا الهدف من صعوبات. يجيب مصرفيون:
ان هذه الحالات تدرس من المصارف كل على حدة. وعكس ما يحصل في الواقع حث القليل من هذه الحالات يجري تسهيله من بعض المصارف، وهي الثغرة الأكبر بين ثغرات عدة في الصيغة المصرفية المعتمدة الآن في لبنان، والتي برغم ما فيها من سلبيات لا يملك المصرفيون تجاهها سوى الجواب: الضرورات أحياناً تبيح المحظورات! وليس بالامكان أبدع مما كان!!
مع الإشادة الى أن تجارة لبنان مع الخارج بصيغة «الاعتماد المستندي» بالعملات الاجنبية ورغم التقنين في هذه العملات، لم تتراجع من حيث القيمة بل بقيت تقريباً على حالها وبلغت خلال الـ11 شهراً من هذا العام 4,92 مليار دولار مقابل 4,93 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام 2018. يقابلها قيمة الاعتمادات المستندية المستخدمة للتصدير التي انخفضت 3,7% فقط، من 2,6 مليار دولارخلال الـ9 أشهر من 2019 الى 2,5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام 2018.