بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 نيسان 2020 09:22ص ... أوبئة تضخمية تصيب السلع المعيشية

حجم الخط
مخاطر كميات النقد المتداولة لا سيما المطبوعة بالليرة اللبنانية أخيراً تتزايد على أسعار المواد المعيشية، مقابل انتاج يتناقص لا سيما مع جائحة الكورونا من ٥٥ مليار الى ٣٥ مليار دولار يزداد معه التضخم وترتفع الأسعار.

وما يزيد في المخاطر ان كميات النقد المتوافرة مقابل شح الدولار، لا تقتصر فقط على النقد المتداول في الأسواق أو في الخزائن أو المنازل بالليرة Money In Circulationوإنما أيضا ما لدى المصارف من ودائع الليرة عند الطلب، وإضافة إلى ما تدفعه المصارف بالليرة مقابل ودائع الدولار، وما يصل الى أجهزة الـ OMT من التحويلات الواردة بالعملات الأجنبية الملزمة بدفعها أيضاً بالليرة بموجب التعميم الأخير من مصرف لبنان، وبما ينتج حالات تضخمية بأرقام قياسية.

حيث هذا الكم الهائل بآلاف مليارات الليرة اللبنانية (سواء نقدا أو في الحسابات لدى المصارف) يسعى باستمرار الى «اصطياد» كميات محدودة جدا من الدولارات في اقتصاد يعتمد على التحاويل الخارجية والقروض والمساعدات والهبات العربية والدولية بالعملات الأجنبية، ويغلب عليه الاستيراد، بما يتسبب في انخفاض متواصل في كميات السلع والخدمات المعيشية بنسبة ٥٠% الى ٧٥%!؛ حتى الآن في سباق «ماراتوني» بين الناتج والتضخم، يشبه وضع رجل عجوز يطارد على عكازين أرنبا سريع الحركة. كلما استمرت المطاردة ازدادت المسافة بينهما الى ما لا نهاية!

وأمام هذه الأزمة النقدية والاقتصادية التي بلغت نسبة التضخم فيها ١٧% حسب احصاء صندوق النقد الدولي، يتجه لبنان الى درجة أعلى بين دول التضخم المتوسط (انغولا والحبشة وليبيا واليمن)، على أمل أن لا يلحق بدول التضخم العالي (السودان وجنوب السودان وليبيريا) أو لا سمح الله، بين دول التضخم الهائل Hyper Inflation على غرار ما حصل في الربع الأول من القرن الماضي في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى عندما ارتفع سعر الدولار من 2,40 مارك الى ٢ ترليون و٢٠٠ مليار مارك!!! أو في هذا القرن عندما هبطت عملة فنزويلا بنسبة ١٥٠٠٠% أو عملة زمبابوي الى أضعاف مضاعفة من المليارات مقابل دولار واحد!

خطة الإنقاذ: اقرأ تفرح جرّب تحزن

وفي هذا الوقت تسعى الحكومة في خطة الانقاذ الاقتصادية الى قطف ضرائب ورسوم إضافية من حالة ركود يتحوّل الى كساد، لن تؤدّي سوى الى نتائج غير واقعية، بالغت الخطة في توقعاتها وتقديراتها. لا سيما بعد تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى حيث لا قرار وبما يقتضي إعادة النظر بمجمل الخطة ومن الأساس.

فكيف يمكن مثلا خفض عجز الموازنة العامة من 7,2% كما في الخطة، الى 1,3%!! عام ٢٠٢4، في حين أن التقديرات الرسمية وغير الرسمية بأنه بسبب الركود انخفضت واردات الدولة بمعدل ٥٠%. وهذا قبل كارثة الكورونا، فكيف معها الآن من نفقات تزداد؟  وما بعدها من تداعيات؟

وكيف يمكن أن تعلن الدولة (بصراحة مشكورة) عن حاجتها الى تمويلات خارجية بـ ١٠ الى ١٥ مليار دولار خلال ٥ سنوات (منها ٥ مليارات فورية، حسب تصريح وزير المال قبل وضع الخطة) فيما يقدرها معهد التمويل الدولي بـ ٢٤ مليار دولار خلال سنتين فقط! فيما خطة الحكومة (رغم هذا النقص المتواصل في الموارد المالية) خفض نسبة الدين العام الى الناتج المحلي من ١٧٦% الآن الى ١٠٣% عام ٢٠٢٤ و90,2% عام ٢٠٢٧!

وكيف يمكن وقد فلت سعر صرف الدولار في السوق الموازية من عقاله الى أكثر من 110٪ ٣٠٠٠ ومتجها الى ما لا تعرف الحكومة (ولا حاكم مصرف لبنان الذي قال عنه: من يدري؟!) عن حدود له، وفي الوقت نفسه ليس لدى الحكومة ولا لدى مصرف لبنان من امكانات التدخل لوضع حد لارتفاع السعر الهائج في سوق حرة، ولا حتى لزيادات تدريجية تحل محل السعر الرسمي الحالي ١٥٠٧,50 ليرة، إلى الـ ٢٦٠٧ ليرة على مدى ٥ سنوات حسب خطة الحكومة للعام ٢٠٢٤. مع ان هذا السعر يرتفع الآن وباستمرار مع اشتداد حاجة القطاعين العام والخاص الى تمويل متواصل لتلبية الاستيرادات الخارجية والالتزامات المالية. 

وفيما الدولة تدرك جيدا ان حصاد العنب المطلوب لا يثمر من كل هذه الأشواك المؤلمة، تدرك في الوقت نفسه ان هناك «عريشة» بكاملها جاهزة للقطاف إذا كانت ذراعها قادرة أكثر من حكومات سابقة، على الامتداد إليها وقطف ثمارها (بديلا عن ما تضمنته الخطة من الدواء المر في فرض رسوم وضرائب إضافية أو استجداء قروض ومساعدات مالية من صناديق دولية، في حين انه إضافة الى مكافحة التهريبات الجمركية من مرفأي بيروت وطرابلس والمطار والحدود البرية)، ومعالجة ٥ ملايين متر مربع من الأملاك البحرية و٢٥ مليون متر مربع من الأملاك النهرية و٥٠٠ ألف الى مليون متر مربع من أراضي السكك الحديدية، ومن وقف اللعب بالتخمينات العقارية أو التلزيمات الرضائية للمناقصات العمومية أو التبعثر المالي في الصناديق والمجالس الاقتصادية والاجتماعية، أو منع التهربات الضريبية عن نشاطات اقتصادية داخلية تصب الى «جنات اوفشور» خارجية، أو في الاثراء غير المشروع في مختلف القطاعات من المال العام أو بموجب قرار الأمم المتحدة ٣١ تشرين الأول ٢٠٠٣ في اتفاقية «مكافحة الفساد» التي تشمل في النص حق المعاقبة عن «أي أموال منهوبة على يد أي مسؤول يشغل أي منصب تشريعي أو تنفيذي أو اداري أو قضائي  سواء كان معينا أم منتخبا، دائما أم مؤقتا، مدفوع الأجر أم غير مدفوع الأجر، وبصرف النظرعن أقدمية ذلك الشخص، أو أي شخص آخر يؤدي أي وظيفة عمومية، يقوم باختلاس ممتلكات عامة أو تبديدها أو تسريبها بشكل آخر من قبل موظف عمومي، والمتاجرة بالنفوذ والاثراء غير المشروع والرشوة والاخفاء واعاقة سير العدالة».

أليس ها هنا «بيت القصيد» وموقع «الخزان المالي» العامر الذي من المفترض والمفروض على الحكومة، كما قال رئيسها في البيان الوزاري، جاءت «تلبية لصيحات الحراك الشعبي»، أن تنتزع له عشرات (وربما مئات مليارات الدولارات) كي تحقق بها الاصلاحات المالية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية المرسومة في خطة خجولة لحكومة اختصاصيين، عينها قد تكون بصيرة لكن يدها سياسيا حتى الآن... قصيرة!