يعاني اللبناني ويرزح تحت وطأة الأزمة منذ سنتين، انهيار الليرة اللبنانية والارتفاعات الجنونية للأسعار بما فيها المحروقات التي حرقت مداخيل العمال والموظفين والمعلمين والمتقاعدين وكل شرائح المجتمع. ويسأل المواطن أين هم الثوار الذين نزلوا في 17 تشرين الأول 2019 احتجاجا على ضريبة سنتات على الـ «واتسآب»؟ وأين هي الاتحادات النقابية والحركة المطلبية؟ أين هو الاتحاد العمالي العام الذي يفترض أنه يمثل كل الموظفين؟ أين رئيسه الذي أقفل المرفأ سابقا 3 مرات للمطالبة بسلسلة الرتب والرواتب أيام هيئة التنسيق النقابية؟ جاءت الدعوة الى الإضراب والاحتجاج الأربعاء خجولة متأخّرة كثيرا، وسرعان ما علّق الاضراب والتحرّك بناء على وعود... ألم يتأخّر الوقت كثيرا؟ بماذا تطالبون بعد أن رفع الدعم كليا؟ ببدل نقل وبضع صفائح بنزين للسائقين العموميين؟ انه عهد إدارة الأزمة وتدوير الزوايا ومسايرة الهيئات الاقتصاديّة أليس كذلك؟ أين نحن من الحركة النقابية التي تقلق حكومات ويحسبون لها ألف حساب لماذا لا أحد يأمل بأيّة نتائج هامّة من التحركات المطلبية في لبنان؟
الإجابة على هذا السؤال واضحة وضوح الشمس لأنّ الطوائف والأحزاب والقوى السياسية هي المسيطرة على الاتحاد العمالي العام، وعلى معظم النقابات بإستثناء قلّة قليلة تعمل بمفردها لتطالب بالحقوق بعيدا عن الاملاءات الطائفيّة والحزبيّة والفرق العقائديّة، هذا ما يقوله مصدر مطّلع، كانت الحركة النقابية والاتحاد العمالي العام يقودان سابقاً معارك على مختلف الجبهات، مثل الغلاء وتصحيح الأجور والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، ومنها أيضا موضوع الحريّات والحياة النقابية وقضايا الوحدة الوطنية ضمن كل هذه العناوين الوطنية الكبرى. لكن عام 96 مع دخول وزير العمل الأسبق عبدلله الامين بالتوافق مع الرئيس الأسبق لشعبة المخابرات السوريّة غازي كنعان لإجهاض دور الاتحاد العمالي العام ووضع اليد عليه، حصل الانحدار، فتمّت إزاحة قيادة الحركة النقابية ونُصّبت على الاتحاد العمالي هيئات جديدة والسيطرة عليه، فارتفع العدد من 22 اتحادا الى 56 ومن 220 نقابة لـ600 نقابة وما فوق، وهكذا بدأ التدهور الأساسي للحركة النقابيّة، وصارت عبارة عن «6 و6 مكرر» موزعة وللأسف على كل الأطراف السياسية، الّذين اتفقوا على هذا الأمر ضد القيادات النقابيّة الشريفة التي خاضت فيما مضى معارك كبيرة جدا. ويمكن القول انه بعد عام 96 لم يعد هناك اتحاد عمالي عام، بل تصح تسميته «اتحاد المذاهب والطوائف والمصالح ممثّلا القوى والأحزاب السياسية»، وآخر تجربة دلّت على ذلك كانت عام 2012 حين طرح وزير العمل 875 ألف ليرة كحد أدنى للأجور، فأصرّ العمالي العام على عدم إدخال بدل النقل في صلب الراتب، مساندا الهيئات الاقتصادية بدل الوقوف بجانب العامل وأصبح الحدّ الأدنى للأجور 675 ألفا! ويضيف المصدر ان كل التركيبة الحالية من الرئيس الى هيئة المكتب يمثّلون مصالح من جاء بهم لا أكثر ولا أقل!
هذا الواقع نقصد به أنّ تداخل مصالح الأحزاب والطوائف في الحركة النقابيّة معروف، والاتحاد العمالي العام نفسه يشير إليه ضمن اللمحة التاريخيّة على موقعه الإلكتروني حيث ورد الآتي: «لطالما فرضت البنية الاجتماعية اللبنانية تداخلاً بين الصراعات الطائفيّة، والعقائدية الحزبية، والطبقية. تداخلٌ حكم تاريخ الحركة العمالية منذ ثورات الفلاحين في مطلع القرن التاسع عشر حتى تشرذم الحركة النقابيّة مع بداية التسعينيات مروراً بفترة الاستقطابات الحادة خلال فترة الحرب الباردة»...
ولفت الاتحاد العمالي العام في مقدمته الى ان «مراحل الازدهار الوحدوية في مسيرة الحركة النقابية اللبنانية تبدو استثناءات على درب الجلجلة العمالي. تختلف الأسباب والنتيجة واحدة: تقف وراء الانقسامات عوامل طائفية، عقائدية أو حزبية، يذهب ضحيتها في جميع الأحوال والأزمنة ذلك المواطن الذي يعمل ثماني ساعات في اليوم على أحسن تقدير، ليعود في آخر النهار إلى أسرته وهو بالكاد يستطيع إعالتها»...
إذا أليس من أمل في الحل؟ يقول المصدر نعم نأمل بالانتخابات الجديدة وأن يحصل التغيير في الاتحاد، والأمر مشروط بحكومة جديدة ووزارة عمل تغيّر في هيكليته، وتفكك هذه الاتحادات الطائفيّة والمذهبيّة المصطّفة التي توزع الأدوار فيما بينها فإذا لم تحصل حركة نقابيّة ديمقراطية عبثا نحاول...