بيروت - لبنان

6 نيسان 2021 07:11ص اقتصاد المافيا.. النص الحقيقي في تقرير Zeeland البلجيكي

حجم الخط
على غرار الكلام السائد في لبنان طوال الـ٧٧ عاما منذ الاستقلال بأن لبنان بلد تجارة ووساطات وخدمات وسياحة ونوادي ليل وبارات، كان الكلام الذي قاله القنصل البريطاني Bowring لوالي مصر محمد علي باشا بان «الصناعة في بلدكم لا تنجح» وان «من الأفضل لكم ولاقتصادكم أن تبقوا جسرا اقتصاديا بين الغرب والشرق». وكان جواب محمد علي أنه يقيم المصانع ولو بربح ضئيل كي يعتاد المواطن على الانتاج وان طموحه لا يصل الى حد أن تكون وجهة المنتجات المصرية الأسواق الأوروبية بل لمعالجة الخلل في الميزان التجاري مع العثمانيين. وكانت النتيجة بعد فترة وجيزة ان الصناعات المصرية الآلية واليدوية دخلت الأسواق الأوروبية لدرجة ان القنصل Bowring ذكر ان «بعض مصانع الباشا (محمد علي) ذات أثر ضار على مبيعات المصنوعات القطنية الانكليزية». وكان تعليق محمد علي: «كان لكم بداياتكم ولنا الآن بداياتنا وسننجح».

فماذا عن بدايات لبنان؟!

منذ أن أصدر الخبير الاقتصادي رئيس وزراء بلجيكا السابق Paul Van Zeeland تقريره عن اقتصاد لبنان قبل نحو نصف قرن والتحوير والتبسيط في التوصيات التي تضمنها التقرير مستمر الى حدود التزوير! وذلك في المقولة التي نقلت عن الخبير البلجيكي: «لم أفهم شيئا حول الكيفية التي تدير بها اقتصادكم، والأفضل ترك الأمور على ما أنتم». وكان الغرض من الترويج لهذه المقولة، الإبقاء على اقتصاد الخدمات والوساطات والفوائد والقومسيونات دون الدخول في اقتصاد الانتاج إلا بشكل خجول ومحدود وبما لا يسيء الى اقتصاد الاستيراد والريوع الذي انفجر وتناثرت أشلاؤه أخيراً في الكوارث الماليه والمصرفية والوبائية والمحنة المعيشية.

فيما الحقيقة أن تقرير Van Zeeland تضمن انتقادا لمرض مزمن في نظام يتحكم باقتصاد لبنان وحياة ومعيشة شعبه، وعكس المقولة المنسوبة إليه بأن «ابقوا على ما أنتم عليه» كما يروّج غالبية السياسيين والمنظّرين و«الخبراء الاقتصاديين، لتبرير استمرار نظام الريع والاحتكار والنهب والسلب والتبذير وسوء التدبير. وما ورد في تقريره عن «الدولة العميقة» الفاسدة و«المافيا» الاقتصادية (والسياسية) التي تحكم لبنان وحياة ومعيشة شعبه، كان بلهجة صريحة ومباشرة تختلف تماما عن كل لهجة ومضمون  كل ما سبق من تقارير، من «ايرفد»  و«ماكنزي» الى «كوكتيل» شركات التدقيق والتحقيق التي تقدم لنا الآن «خدماتها» الاستشارية بملايين الدولارات على قاعدة كلفة اليوم والساعات!

يقول Van Zeeland في تقريره «ان هناك سرا عميقا Un secret profond في الاقتصاد اللبناني لا يمكن لأحد الاطلاع عليه إلا عدد قليل جدا من مجموعة من «الحكماء المختارين» (وكأنه يشير مداورة الى حاخامات «الشعب المختار»!) الذين يعملون بعيدا عن النظر والسمع وبحرص شديد على عدم كشف هذا السر أو التخلي وبألاعيب غش منمقة un truck elegant».

فهل في هذه الكلمات كما ادّعى ويدّعي البعض، وصية الى اللبنانيين كي يبقوا على اقتصادهم على ما هو عليه من فوضى «شرعية» محصنة ومحمية بستار «مبدأ الاقتصاد الحر» في الدستور، أم انها دعوة من خبير اقتصادي ورئيس وزراء أوروبي الى اقتصاد يعمل دون غش أو تلاعب وبشفافية دون أسرار خفية ليست من طبيعة الدول والمؤسسات بل من جرائم «المافيات»!

أما لماذا وشم الخبير البلجيكي طبقة لبنانية بكاملها بهذه الصفات، فلعلّه استند الى سابقة تحدث عنها أبو التاريخ Herodotus قبل آلاف السنين عن فئة أو طبقة من الفينيقيين قال انها كانت تعمل بألاعيب الغش واشتهرت بـ «صفقة العصر» التي باعت بموجبها في اسبانيا كمية كبيرة من زيت الزيتون الفينيقي المغشوش وتحت علامة «ماء الذهب». وعندما تدفق أولاد الاسبان الى السفن الفينيقية والتجول في أرجائها، خطفهم التجار الفينقيون وباعوهم مع البضاعة في سوق النخاسة في أفريقيا!