بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 أيار 2021 07:03ص الـ50 ألف دولار الموعودة للمودعين: فصل جديد من رواية طويلة!

حجم الخط
الـ٢٥٠٠٠ دولار نقدا بالدولار وما يوازي ٢٥٠٠٠ دولار نقدا بالليرة اللتان أعلن حاكم مصرف لبنان ان المصارف ستدفعهما اعتبارا من نهاية حزيران المقبل لصغار المودعين من حسابات مصرفية يفوق عددها المليون و٣٠ ألف حساب (أي بدفع نحو 26 مليار دولار اضافة الى ما يوازي هذا المبلغ بالليرة اللبنانية) هما كما قال وزير المال، عبارة عن مشروع لم يكتمل بعد ويحتاج الى عمل.
وبانتظار انجلاء الحقيقة، السؤال الأهم ما إذا كان المشروع سيضاف الى باقي المشاريع التي لم تحسم بعد ولم يوضع لها آليات تنفيذية، إضافة الى أسئلة منها: 
أولا: ماذا سيكون مصير الرصيد الباقي بالدولار في هذه الحسابات بعد حسم الـ٢٥ ألف دولار التي ستدفع منها. علما ان حاكم مصرف لبنان وصف المشروع بـ«الحل النهائي» ودون أي إيضاح حول الأرصدة الباقية من هذه الحسابات، ما يوحي غالبا انها ستدفع كالعادة بالليرة (باللولار) ودون معرفة ما إذا كان سعر الصرف سيبقى ٣٩٠٠ ليرة للدولار، وضمن حدود السحوبات المسموح بها حتى الآن.
ثانيا: ما هو المبلغ الذي سيدفع لباقي صغار المودعين الذين ودائعهم أقل من ٢٥٠٠٠ دولار؟ وهل ستصرف لهم أرصدتهم التي تقل عن المبلغ المعلن من حاكم مصرف لبنان وإقفال حساباتهم ودون السماح لهم بافتتاحها من جديد كما هو حاصل الآن من قبل المصارف التي تمتنع الآن عن فتح حسابات جديدة إلا في حالات استثنائية جدا، ومن ضمن خطة مناقضة لمبدأ «الشمول المالي» الذي سبق أن روّجت له قبل الأزمة سعيا وراء اجتذاب أكبر عدد من المودعين بغض النظر عن حجم الوديعة، وهو المبدأ الذي «انقلبت» عليه المصارف بعد الأزمة برغم انه أحد الأسس الرئيسية للعمل المصرفي الذي بقدر ما هو شأن خاص هو في القدر نفسه شأن عام في خدمة المجتمع والاقتصاد والمواطن دون أي تصنيف أو تمييز وبغض النظر عن حجم الوديعة. بل ان ما يحصل في العالم اليوم لا سيما بعد الكورونا وما أنتجته من أزمات مصرفية ومالية واقتصاديا هو العكس أي تشجيع الناس على فتح حسابات ادخارية واستخدامها في التسليف الانمائي بدل أن تبقى معقمة في الخزائن الحديدية المنزلية.
ثالثا: ما هو سعر الصرف الذي ستعتمده المصارف لدفع الجزء الثاني بالليرة بما يوازي ٢٥٠٠٠ دولار؟ وهل سيكون ١٥٠٠ ليرة السعر الرسمي لكل دولار أم السعر المصرفي ٣٩٠٠ ليرة؟ أم السعر المتقلب على المنصة ما بين ١٠ آلاف و١٢٠٠٠ ليرة؟ أم بسعر السوق الموازية الذي بات يقترب من ١٣٠٠٠ ليرة؟
رابعا: هل لدى مصرف لبنان فكرا عما اذا كان هذا «الانفراج» الجزئي بكميات محددة بالدولار وبالليرة، سيخفض سعر الدولار أو لجم التضخم، علما ان مثل هذه النتائح تتوقف عما سيفعله المودعون بالدولارات والليرات التي سيحصلون عليها؟ وهل سيضيفوا الدولارات الى مدخراتهم الدولارية في البيوت؟ وعندها لن يكون هناك عرض جديد كاف من الدولارات لا في السوق الموازية ولا في المنصة، وسيبقى الطلب على الدولار في هذه الحال مرتفعا يسعى اليه المستوردون بالسعر المرتفع لتسديد قيمة مستورداتهم بالدولار، مثلما يسعى إليه الراغبون بالسفر أو الهجرة أو الدراسة في الخارج أو العمال العرب والأجانب الذين يطلبون الدولار لارساله الى بلادهم. كما ان ضخ الليرات المستجدة التي سيحصل عليها المودعون، في سوق الاستهلاك من شأنه أن يزيد أو ربما يضاعف الكميات الهائلة من ترليونات الليرات التي في التداول الآن وبما يزيد في التضخم ويرفع أسعار الاستهلاك ليس فقط على المودعين الذين تسلموا هذه الليرات، وإنما بشكل أسوأ على الـ٥٥ الى ٦٠% من فقراء لبنان الذين ليس لديهم ودائع ولا أرصدة لا بالدولار ولا بالليرة، وعندها فإن ما سيحصل عليه هؤلاء من مزايا البطاقات التمويلية - وهذا إذا وزعت البطاقة! - سيذوب تدريجيا في نار التضخم المتزايد نتيجة ضخ كميات جديدة هائلة من الليرات التي ستدفعها المصارف بموجب المشروع الجديد.
خامسا: كان يمكن أن يؤدي هذا الضخ المرتقب بكميات ملحوظة  بالدولار والليرة الى تنشيط الاقتصاد وزيادة النمو وتوفير فرص عمل جديدة لو ان هذه الأموال المستجدة سيستخدمها أصحابها بالاستثمار في مشاريع انتاجية. الا ان كونها تدفع في ظروف ركود يتجه الى كساد تضيق فيه الفرص ويغلب فيه عنصر الادخار على عنصر الاستثمار، فسوف لن تؤدي هذه الأموال الى نتائج انمائية الا بشكل محدود جدا وقد يستنزف جزء منها خلال سنة أو سنتين في استهلاك سلع أغلبها مستورد من غذاء ودواء وبنزين وملبوسات وخدمات.
سادسا: يحصر حاكم مصرف لبنان المشروع بودائع الحسابات الصغرى دون أي اشارة لودائع الحسابات الكبرى بما يوحي ربما ان هذا الصنف من الودائع سيبقى مصيره معلقا اما لحين انتعاش القطاع المصرفي بما يسمح بدفع أجزاء من هذه الحسابات بالدولار وبالليرة، وأما الى Hair Cut من الفوائد العالية التي حصل البعض  عليها على مدى السنين السابقة أو الى استبدال جزء كبير من هذه الودائع بمساهمات في المصارف أو في الصندوق السيادي المزمع انشاؤه مما يسمى «ممتلكات للدولة» هي «أملاك الشعب»!