مع انجاز تأليف «حكومة المهمات» الملقاة على عاتق الرئيس ميقاتي وفريق عمله من وزراء اختصاصيين أو خبراء، تتطلع الأنظار في الدرجة الأولى الى طرق ووسائل رفع قيمة العملة الوطنية عبر خفض سعر الدولار.
ورغم انه استنادا الى العلم والخبرة ان الأولوية هي تقوية الاقتصاد إلا ان القعر الذي بلغته الليرة اللبنانية مقابل الدولار المرتفع في السوق الموازية، بات يخرق هذه القاعدة بسبب خصوصية اقتصاد لبنان المدولر وكون ٩٠% من رواتب وأجور اللبنانيين هي بالليرة اللبنانية، الأمر الذي يستدعي في الدرجة الأولى خفض سعر الدولار ورفع القوة الشرائية للعملة الوطنية بما يخفض نسبة الفقر في بلد حسب تقرير «الأسكوا» أكثر من ثلاثة أرباع مواطنيه فقراء نسبة كبيرة منهم تحت خط الفقر.
ليبقى السؤال حول كيف يمكن لبلد يستورد ٩٠% من حاجاته وبالدولار وتوقفت فيه الاستثمارات الأجنبية والايداعات الخارجية في المصارف المحلية، وتجمدت أرصدة الدولارات العائدة للمصانع الوطنية التي باتت تودع الجزء الأكبر من عائداتها التصديرية بالدولار في حسابات خارجية، أن يتوافر فيه الكم الكافي من الدولارات بحيث يزداد العرض وينخفض السعر لصالح الليرة الوطنية وقدرتها الشرائية ويرفع الأوزار عن كاهل أكثرية شعب لبنان.
الجواب هو الثقة ثم الثقة في الداخل وفي الجوار العربي والمدى الدولي، بحيث يدخل لبنان مجددا الى أسواق المال العالمية سواء لجهة اجتذاب استثمارات خارجية أو قروض ميسّرة يمكن استخدامها في بناء اقتصاد انتاجي بديلا عن اقتصاد ريعي، وبحيث تعلو على أولوية خفض سعر العملة الوطنية أولوية تقوية الاقتصاد وزيادة النمو وتوفير المزيد من فرص العمل، وبحيث يمكن عندها الاستفادة من سعر العملة الوطنية المنخفض في زيادة الصادرات وتنشيط السياحة وعملا بالقاعدة القائلة «ان الاقتصاد القوي والعملة الضعيفة خير من العملة القوية والاقتصاد الضعيف» وهي القاعدة التي بلغت ذروة الأهمية في الرسالة التي بعث بها الى زاوية «بريد القراء» في مجلة الـEconomist الاقتصادي البريطاني الصاعد يومها John Keynes وتسببت بزيادة شهرته العالمية، وتضمنت نقدا شديدا لقرار اتخذه وزير المال البريطاني ونستون تشرشل خلال عشرينيات القرن الماضي، رفع به سعر صرف الجنيه الاسترليني مقابل سعر صرف المارك الألماني «بما يتناسب مع المكانة المعنوية والسياسية للأمبراطورية البريطانية العظمى في العالم» حسب السبب الذي برّر به تشرشل الخطوة التي وصفها Keynes في رسالته الى المجلة حرفيا بالـSilly Mistake أو «الغلطة السخيفة» وثبت فيما بعد أن تشرشل بتقوية العملة الوطنية أضعف الاقتصاد وشلّ الصادرات والسياحة وخفض فرص العمل مقابل ارتفاع كل هذه المؤشرات في ألمانيا التي تحوّل إليها المستوردون والسياح بسبب انخفاض سعر صرف المارك بالمقارنة مع سعر صرف الجنيه، ما دفع تشرشل يومها بعد فترة وجيزة الى التراجع عن قراره والعودة الى خفض سعر الجنيه عملا بالقاعدة الشهيرة: «اقتصاد قوي وعملة ضعيفة خير من اقتصاد ضعيف وعملة قوية» وهي القاعدة التي لم نصل بعد في لبنان الى إمكانية تطبيقها والاستفادة منها حيث الاقتصاد الوطني والعملة الوطنية كلاهما ضعيف وفي وضع غريب لا بد للحكومة الجديدة من العمل على فكفكة أسراره وسبر أغواره بجهد استثنائي عبر استعادة الثقة أولا وفتح الطريق الى صندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل العربية، وبحيث يمكن عندها عبر دفق جديد من الدولارات في ظل اصلاحات سياسية وهيكلية إدارية ومالية ومصرفية واقتصادية، إيجاد التوازن الصحي بين قوة الاقتصاد ومستوى سعر الصرف بما يحقق معدلات النمو الأعلى ويلجم التضخم ويوفر المزيد من فرص العمل ويسهم في خفض معدلات الفقر ويصدّ باب الجوع!