نادرا ما حصل في تاريخ لبنان ان استمر حزب أو تيار سياسي متمسّكا بالحقيبة الرئيسية نفسها في حكومات متتالية بأطول من الفترة التي تولّى فيها «التيار الوطني الحر» حقيبة وزارة الطاقة ومسؤولية الكهرباء وبهذا الحجم المروّع من التعتيم!
فمنذ العام ٢٠٠٨ وعلى مدى أكثر من ١٢ عاما كانت هذه الحقيبة وما زالت - ولو بصورة غير مباشرة الآن في حكومة تصريف الأعمال - في عهدة وزراء «التيار الوطني الحر»، وعندما تسلّمها رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل من العام ٢٠٠٩ الى العام ٢٠١١ قال «ان الكهرباء في لبنان كرة نار لا يتلقفها أحد والكل يهرب منها وقد وقعت علينا بملء إرادتنا ومسكناها ونعرف الحرارة التي تصدر عنها.. وأعدكم بأن شعب لبنان لن يبقى محروما منها بل ستؤمّنها له ٢٤ ساعة على ٢٤ ساعة!».
فانتهى الأمر خلال وبعد ١٢ عاما تحت شعار «الاصلاح والتغيير» على يد تيار وطني «حر» الى «تيار كهربائي أسير» مولدات تعمل بمحركات الأزمات وبواخر أجنبية متهمة بدفع عمولات ورشوات، فيما المواطن اللبناني محروم في الحالتين من طاقة هي شريان الحياة ومصدر الانتاج للمصانع والمزارع والمستشفيات والمنازل، بدءا من جرس وضوء البيت الى الهاتف والانترنت والتلفزيون والراديو والغسالة والبراد والتدفئة والتنظيف، ومسراها في الاقتصاد مثل «مسرى الأرواح في الأجساد» كما الوصف المبدع للشاعر ابن الرومي، وحاجة أمنية وإنمائية بقدر ما هي اجتماعية وتاريخية، ومنذ أن عثرت اليونان على مصادرها الأولى على يد «طاليس» عندما لاحظ انه كلما فرك مادة العنبر تولدت طاقة من مياه هي مصدر الحياة، كما في القول الكريم «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، ومن الماء كهرباء تحوّلت في وطن حسن كامل الصباح وإبراهيم عبد العال، من الاشعاع والتنوير الى الظلام والتعميم، وتحت رايات الإصلاح والتغيير!
وبانتظار انبلاج الضوء عن مشكلة أولها المال وآخرها المال، أولا في مستحقات تطالب بها شركة البواخر مؤسسة الكهرباء بـ١٥٠ مليون دولار لم تدفع منها المؤسسة سوى ١٠ ملايين دولار الشهر الماضي، وتصرُّ الشركة على قبض كامل ما تبقّى من دولارات عين الدولة عليها بصيرة ويدها إليها قصيرة. وثانيا بانتظار البت بسلفة أقرّت لمؤسسة الكهرباء بـ٢٠٠ مليون دولار وطعن المجلس الدستوري بمدى قانونيتها، وثالثا غرامة الـ٢٥ مليون دولار التي أقرّها القضاء بندا جزائيا على شركة البواخر في حال ثبوت دفعها عمولات كي ترسو المناقصة عليها.
وبانتظار حكم القضاء، يبقى القرار... للتعتيم!