بعد اعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته، عاد الهاجسُ الاقتصادي والمعيشي الى الواجهة. اقفال المرافق العامة والبنوك والشركات وشلل الحركة الاقتصادية وانسداد الافق لمدة ١٣ يومًا ، بدّل حركة المشهد الاقتصادي، فكيف يبدو؟
"اللواء" وفي حديث مطوّل مع الخبيرة الاقتصادية "فيوليت غزال البلعة" قالت: "لا شك ان المشهد الاقتصادي في لبنان اختلف بعد ١٧ تشرين الاول، فالافق الرمادية التي كانت تتحكم بحركة الاستثمار والاعمال والتي أوقعت المناخ الاقتصادي في كماشة الركود في ظل سلة ضريبية تتسع تدريجا من موازنة الى أخرى بعيدا عن أي إجراءات إصلاحية فعلية تكفل تطبيق مندرجات مؤتمر "سيدر"، فتحوّلت تلك الأفق الى رمادية ولكن مفتوحة على طاقات فرج محتملة مع مبادرة الرئيس سعد الحريري الى تقديم استقالة حكومته. وتبقى تلك الأفق رهن الإسراع في تأليف حكومة اختصاصيين وفق ما طالبت به ثورة الـ13 يوما، أو التأخر بفعل استمرار التناحر السياسي بما يوقع السلطة التنفيذية في فراغ سينعكس حتما على مفاصل الحياة اليومية للبنانيين.
وفيما يتعلّق بارتفاع اسعار السلع قالت "البلعة": راجت في اليومين الأخيرين شائعات عن ارتفاع العديد من عناصر السلة الاستهلاكية، وخصوصا في المحال التجارية الكبرى والسوبر ماركت بفعل الضرائب الجديدة التي وردت في مشروع موازنة 2020 رغم عدم إقرارها بعد. لكن، تبين لاحقا انها مجرد شائعات تمّ تداولها بسرعة على غرار ما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي من اخبار تتناول الواقع السياسي، علما ان أسعار بعض السلع قد تكون ارتفعت او هي مرشحة فعلا للارتفاع في ظل تعطل مسيرة الحياة اليومية منذ 13 يوما، وانعدام او تراجع حركة الاستيراد والتجارة واستمرار ازمة شح الدولار التي عانى منها لبنان منذ نحو شهر، ولا تزال من دون حل نتيجة استمرار اقفال مصرف لبنان والمصارف، علماً انّ مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد تستمر، وبحسب ما تسمح لها ظروف التنقل ما بين المناطق، في مراقبة الأسعار لحسن ضبطها.
وردًا على سؤال هل انّ اقفال المصارف يهدد الاقتصاد، قالت "البلعة" لقد باتت العوامل التي تهدد الاقتصاد اللبناني كثيرة، لكن اقفال المصارف جاء أولا من باب الحماية الأمنية للفروع والموظفين واموال المودعين في ظل الفوضى التي تعمّ الشارع اللبناني نتيجة الثورة، وأيضا لتفادي تهافت المواطنين القلقين على مدخراتهم من سحبها او تحويل الودائع بالليرة الى دولار، الامر الذي سيعرض حتما سعر الصرف الوطني لضغط كبير قد لا تتمكن السلطات النقدية من مواجهته بالسرعة اللازمة.
لذا، من الحكمة استمرار اقفال المصارف الى حين استتباب حركة الشارع وإيجاد حلول واضحة للازمة السياسية الراهنة، وخصوصا الازمة الحكومية بفعل استقالة الرئيس الحريري امس، علما انّ المصارف بادرت الى تفعيل العمل المصرفي الالكتروني ATM ما أتاح للمودعين الحصول على قدر ما يريدون من الأموال لتسيير شؤونهم من خلال الصرافات الآلية او بطاقات الاعتماد لمن يملكها، وإصدار بطاقات جديدة توزَّع لاصحابها عند اقرب الفروع للمودع.
اما في ما يتعلق بسعر صرف الليرة والدولار، فأكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة استمراره في اعتماد سياسة التثبيت النقدي بغية المحافظة على الليرة اللبنانية في ظل ما تواجهه من ضغوط سياسية وامنية واقتصادية. وعلى الهامش، تثير المخاوف قلق المتعاملين مع السوق المالية على مصير الليرة في ظل عدم استقرار الأوضاع، بما يفعّل نشاط السوق السوداء المتعطشة الى الدولارات، بما يرفع أسعارها.
لكن، لا بد من الجزم بان السعر الرسمي لليرة لا يزال عند حدوده المعلنة من مصرف لبنان، وطالما ان الأسواق ما زالت مقفلة، لا يمكن الحديث عن ارتفاع لسعر الدولار. علما ان أيَّ حل سياسي يستعيد ثقة اللبنانيين بالسلطة السياسية وهو ما تحدث عنه حاكم مصرف لبنان يكفل حلَّ الازمة لانه سيشكل حتما صدمة إيجابية تحتاج اليها السوق المحلية.
وعن التطمينات و خطورة الوضع الاقتصادي والمعيشي اضافت: ليست الخطورة هي جديدة على الوضع المحلي، اذ بدأت منذ ما قبل 17 تشرين مع انسداد افق الانتعاش امام الاقتصاد الوطني، بدليل مبادرة وكالات التصنيف الى تحذير لبنان بعد اقدام بعضها على خفض تصنيف الائتماني السيادي الى مرتبة CCC. كذلك، فانّ مؤسسات المجتمع الدولي بادرت الى تنبيه لبنان من خطورة عدم تطبيق الإصلاحات الواردة في مؤتمر "سيدر" قبل الحصول على الـ11 مليار دولار.
لكن، حتما حركة الشارع اللبناني على مدى ١٣يوما، كبّدت الاقتصاد خسائرَ إضافية نتيجة شلّ حركة الأسواق والتجارة والسياحة والاستثمار، الا انها فتحت افاقا جديدة يؤمل في ان تشكل أولى طاقات الفرج المقبلة، تشكيل حكومة اختصاصيين (تكنوقراط) قادرة على نقل البلاد من مرحلة الركود الى الانتعاش قبل النهضة المرجوة قريبا.