بيروت - لبنان

19 آذار 2021 12:00ص بعد خفض الدعم عن الغذاء والدواء من إنتفاضة المدن إلى ثورة الأرياف

حجم الخط
  حتى قبل المحنة الاقتصادية - المالية الحالية عندما كان ميزان المدفوعات في لبنان فائضا بسبب تدفق الودائع والتحويلات وعائدات السياحة والصادرات، كان يفترض بالدولة اللبنانية أن تتنبّه للمشكلة الغذائية التي أمام ارتفاع الدولار بات من الصعب التصدّي لها ليس فقط بسبب ارتفاع الدولار وتقلّص الحوالات وشحّ الواردات وإنما بسبب النقص الغذائي الذي يسود العالم الآن والذي اعتبره أحد أبرز علماء الاقتصاد Paul Krugman «الهم الأكبر في عالم اليوم».

ففي دراسة يقول «كروغمان» الحائز على جائزة «نوبل - الاقتصاد»، ان الناس تسمع الكثير جدا عن الأزمات المالية ولكن القليل عن الأزمة الغذائية التي تلحق الضرر بهم خصوصا مع ارتفاع أسعار القمح والأرز والذرة والمواد الغذائية الأساسية الأخرى، وبشكل «يلحق الدمار بالدول الفقيرة (التي صار لبنان في عدادها الآن) حيث الغذاء بات يشكّل ما يزيد عن نصف انفاق العائلة. إضافة الى شغب متزايد يتعلق بالغذاء في مختلف أنحاء العالم. وتقلص صادرات الغذاء من أوكرانيا والأرجنتين في مسعى لحماية المستهلكين المحليين، مما يؤدي الى احتجاجات غاضبة من جانب المزارعين، ويجعل الأمور اسوأ في دول بحاجة الى استيراد الأغذية بشكل دائم.

وفي الدراسة التي أعدّها قبل جائحة الكورونا، عن الأزمة الغذائية في العالم وتأثيرها على الأوضاع المالية والاقتصادية، يشير Krugman الى مجموعة اتجاهات بعيدة المدى وسوء الحظ والسياسات الخاطئة والتغيّرات الطارئة ومنها:

أولا: هناك مئات ملايين من الصينيين ومواطني الدول الناشئة ممن باتوا يتناولون اللحوم مثل الغربيين، مما زاد الطلب على هذا الغذاء.

ثانيا: هناك سعر النفط. والزراعة الحديثة التي باتت تعتمد على المزيد من الطاقة في إنتاج الأسمدة وتشغيل الجرارات ونقل منتجات الحقول الى المستهلكين ما رفع تكاليف الانتاج الزراعي.

ثالثا: هناك موجة من طقس سيئ في مناطق نمو أساسية، وبشكل خاص أستراليا التي هي أكبر مصدر للحنطة وتعاني من جفاف هائل.

رابعا: كل هذه العوامل مشتركة، إضافة الى تراجع مساحات الأراضي المتوافرة لزراعة المحاصيل، تجعل الغذاء الرخيص شيئا من الماضي.

خامسا: ونضيف... ان لبنان الذي يستورد ٨٥% من حاجاته الغذائية بالدولار بعد ان بلغ احتياطي العملات الأجنبية لديه ضوءا أحمر، لم يعد لديه لا دولارات للاستيراد ولا ليرات للاستهلاك بعد أن ارتفع المطبوع منها في التداول ضوءا أصفر لا مجال لتجاوزه باستحقاقات دين عام تتراكم وتضخم نقدي يتعاظم وفيما الأزمة الزراعية - الغذائية تصل ذروتها في المناطق المهمّشة والفقيرة لا سيما في مناطق الشمال في الضنية وطرابلس وعكار (وبعض مناطق الجنوب والبقاع وجبل لبنان) والتي باتت تشكّل الأرض الخصبة لما يسمّى «ثورة الأرياف» على غرار ما حصل في الثورة الفرنسية حين رفض «النبلاء والفرسان» في باريس تحمّل الضرائب الجديدة. ولما وقعت «القرعة» على المدن المجاورة خارج السور والأرياف البعيدة، تحالفت الطبقات المتوسطة مع أصحاب المهن والحرف والعمال والفقراء والجياع في ثورة أسقطت النظام وغيّرت وجه العالم، وبلغ صداها بعد ٧٠ عاما ريف لبنان في انتفاضة فلاحين قادها بيطري ابن فلاح من «ريفون» هو طانيوس شاهين نص بيانها الصادر عام ١٨٥٨ وكأنه اليوم «ان نظام الحكم فاسد يجب تغييره» تمكنت من طرد الاقطاعيين وإقامة حكومة فلاحين برئاسة طانيوس شاهين الذي كتب عنه المؤرخ انطوان ضاهر العقيقي انه «فتح مطعمات شعبية في بيته للشارد والوارد، وعمل مضافات، ووزع على الفلاحين أعتدة نارية، وكان يصدر أوامره «بناء على قوة الجمهورية» لاسترداد الحقوق المنهوبة وقصاص المذنبين، وكان أنصاره ينشدون:

يا طانيوس يا ريفوني (نسبة الى بلدته ريفون)

يا بو سيوف المسنوني... ببكفيا ماتوا الجوع 

والفلاح مكفّي الموني

وقال عنه المؤرخ يوسف إبراهيم يزبك انه عندما زاره القنصل الانكليزي المستر Moor في منزله المتواضع في «ريفون» بقصد اجتذاب الثورة لصالح انكلترا وفشل في محاولة رشوته قال في معرض إعجاب واستغراب: «اني ألعب بأصابعي بجميع الزعماء اللبنانيين، لكن هذا البيطري الأميّ تحدّى في اللعب ممثل صاحبة الجلالة البريطانية»!