22 شباط 2020 12:04ص بين التأجيل أو التسديد.. ما «أهون الشرين»؟!

اعتصام الحراك الشعبي امام مقر إقامة وفد صندوق النقد في فندق فينيسيا اعتصام الحراك الشعبي امام مقر إقامة وفد صندوق النقد في فندق فينيسيا
حجم الخط
التسديد أم التأجيل أم الهيكلة أم الجدولة بانتظار تقرير اللجنة التي أوكل اليها مجلس الوزراء مهمة الجواب.. وكل ذلك لا يعني فقط بقاء الديون بل زيادتها مع الفوائد التي قد ترتفع الى حوالي 10 الى 12% وحتى الى أكثر من 14% لاستحقاقات الـ5 سنوات، بل كان هناك اقتراحات بالتأجيل الى 15 سنة بما يرفع نسبة الدين العام للناتج المحلي الى أحد أعلى المعدلات في العالم. وعندها لا تنفع حجة المطالبين بالتأجيل بأنه مع الاستحقاقات البعيدة، يكون لبنان قد بدأ يقطف عائدات الغاز والنفط، حيث عند حلول هذا الموسم بعد حوالي 7 الى 8 سنوات، يكون الدين العام قد ارتفع الى الضعف بما قد يوازي ربما اجمالي العائدات النفطية والغازية غير المعروف حجمها حتى الآن، لا من حيث العمق في الآبار، ولا من حيث الكميات، ولا من حيث الأسعار، وهل سيكون عندها تصدير كفاية بعد أن انجزت مصر وقبرص واسرائيل ترتيبات تصدير مشتركة لا ندري أين سيكون بينها لبنان وكيف؟

كما أنه بالنسبة لهذا الفريق الذي يقترح الهيكلة أو التأجيل فأنه بسبب تزايد أعباء السيولة على مصرف لبنان والقطاع المصرفي، لم يعد بالامكان تسديد مستحقات جديدة على الدولة التي «تواظب» على عجوزات متواصلة في موازنتها. وبالتالي قد لا يكون هناك مجال سوى لاعادة الهيكلة أو الجدولة أو التأجيل وبفوائد عالية.

ومقابل هذا الفريق هناك دعاة التسديد لأن التأجيل يؤدي الى خفض تصنيف لبنان السيادي من (C)  و(RD)  (أو التعثر المحدود في الدفع إلى درجة CA) التي تعني خسائر كبيرة للدائنين «على الارجح»، وعندها قد يستحيل على لبنان الحصول على قروض جديدة، بما في ذلك ربما قروض مؤتمر «سيدر»، اضافة الى ما أصاب حملة السندات حتى الآن من تراجع عائداتهم بعد أن هبطت قيمتها بسبب انخفاض الطلب وازدياد العرض، ولدرجة ان بعض المصارف للحصول على سيولة فورية، باع بعض ما بحوزته من سندات اليوروبوندز (بقيمة 500 مليون دولار) الى شركة ASHMORE المتخصصة في سندات بلدان الأسواق الناشئة (يرئس مجلس ادارتها PETER GIBBS) وتدير أموالا استثمارية في العالم بحوالي 74 مليار دولار. علما ان المصارف تحمل ما قيمته 15 مليار دولار من هذه السندات البالغ مجموعها 31 مليار دولار منها 5 مليارات دولار لمصرف لبنان و11 مليار دولار لأطراف عربية وأجنبية.

تسديد جزئي خارجي؟

وأمام هذه الحيرة بين دعاة التأجيل أو التسديد، يتجه دعاة الحل الوسط الى اعادة هيكلة الديون في الداخل وتسديد الديون في الخارج تجنباً لأي تداعيات قضائية خارج لبنان اضافة الى ما يمكن أن يتسبب التأجيل من تعطيل الثقة العالمية بالدولة وبالنظام المصرفي وبالاقتصاد اللبناني بوجه عام، فيما التسديد الجزئي (بدل التسديد الكامل) يخفف نسبياً من استنزاف الاحتياطيات الأجنبية لدى مصرف لبنان.

 والمشكلة الآن انه سواء سددت الدولة (أي مصرف لبنان بالوكالة عنها وكالعادة!) استحقاق آذار 2020 للمصارف، أم أجلت أو جدولت أو اعادت هيكلة الاستحقاق، فان مشكلة شح السيولة لدى القطاع المصرفي ستبقى بكل تأثيراتها السلبية على حجم تسليف العديد من القطاعات التي ستتعرض لنقص السيولة، بدءا من كبريات المؤسسات التجارية والصناعية الى الصغيرة والمتوسطة التي تشكل حوالي 95% من مجموع المؤسسات في لبنان، مرورا بالقطاع السكني، فضلا عن متطلبات التسليف للبيئة والتعليم والطاقة البديلة، والأبحاث والتطوير والتكنولوجيا، وهي قطاعات سبق لمصرف لبنان أن خصص لها برامج تسليف خاصة كاحدى وسائل تنشيط النمو، وتتعرض الآن بسبب أزمة السيولة انعدام في حصولها على التسليف بالنظر لحاجة المصارف الى المزيد من السيولة للحفاظ على معدلات عالية منها الالتزام بمعايير بازل1 و2 و3 لجهة اعادة الرسملة لكفاية رأس المال CAR 15% وتمون الأموال المساندة TIER3 اضافة الى التقيد بمعايير أخرى مثل معدلات السيولة وتجنب احتمال التعثر في التسديد PROBABILITY OF DEFAULT  بما يقتضي التوفيق بين مؤونة مصرفية عالية وفي الوقت نفسه تأمين السحوبات الأسبوعية للمودعين. وفي وقت القطاع العام المتورم في النفقات (خصوصاً بعد ارتفاع الأجور والتقاعد بنسبة 40% اضافة الى الهدر المستشري والفساد المتعاظم) يبتلع جزءاً كبيراً من تسليفات المصرف ومصرف لبنان البالغ مجموعها 91 مليار دولار، فلا يبقى عندها الا القليل القليل من السيولة لمتطلبات المعيشة، فكيف بمتطلبات النمو؟!