بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 نيسان 2021 09:23ص بين طرابلس لبنان وطرابلس ليبيا ما بقي من ركام إقتصاد فينيقيا

حجم الخط
مشاريع إعادة الحياة الطبيعية تزدهر في طرابلس ليبيا التي كانت قبل نحو ٢٠٠٠ عام مجد فينيقيا وتراث الرومان واليونان وامبراطورية بني عثمان، فيما تزداد بالمقابل صعوبات المعيشة في شقيقتها طرابلس لبنان التي كانت في قديم الزمان ثلاث مدن Tri-Poli، وازدهرت فيها بساتين الليمون وصناعات الصابون والزيوت والأسماك ومفروشات الأذواق العالية والمهن والحرف التراثية من الخياطة والعطور والأخشاب الى باقي المقومات الاقتصادية والسياحية من الجزر والجسر والأسواق والترام وسكك الحديد الى المعرض والمصفاة والميناء والمطار، وأصبحت اليوم كما قطعة من الماس يعلوها الغبار.

ففي تقارير «الأسكوا» لا تخفي جيوب الرفاه ان ٧٧% من سكان المدينة متعثرون اقتصاديا و٥٧% منهم عند خط الفقر والحرمان و٢٦% في فقر مدقع و٣٥% يعانون مشاكل صحية ومثلهم في مساكن يصعب العيش فيها و٢٥% محرومون من التعليم. وهذا قبل الفاجعة الاقتصادية والجائحة الوبائية التي زادت من هموم مدينة تحوّل وصفها من عاصمة لبنان الثانية و«الفيحاء وحاضرة العلم والعلماء» والواسعة الثراء الى المدينة التي يصفها البنك الدولي بـ «الأكثر فقرا على ساحل المتوسط» ويصفها الناشطون اليوم في الـ «الانتفاضة القائمة» بـ «عروس الثورة القادمة».

فكم من الثورات ولدت من المدن الثانية أو الثانوية والقرى والأرياف النائية، من ثورة الجزائر التي انطلقت من قبائل جبال الأطلس أو ثورة فرنسا التي امتدت الى أوروبا على يد جنرال من كورسيكا، وثورة روسيا على يد محام من «سمبرسك»، وثورة كوبا على يد طبيب من قرية «بيران» ورفيق له من الأرجنتين، الى ثورة مصر على يد ضابط من صعيد «بني مر» وثورة الصين على يد مزارع ابن مزارع من قرية «يوهان» في أقصى حدود بلاد يأجوج ومأجوج.

وفي لبنان الانتفاضة الأولى على يد فلاح من كسروان، روى لي المفكر اللبناني الراحل منح الصلح انه عندما عزم الرئيس فؤاد شهاب على تحسين أحوال المناطق اللبنانية المهمشة اقترح عليه الرئيس تقي الدين الصلح أن تكون الخطة برئاسة رجل دين لا يختلق الرأسماليون اللبنانيون له «تهمة» اشتراكية أو «فرية» شيوعية، فكان ان وقع الاختيار على «الأب لوبريه» رئيس بعثة «ايرفد» التي حذرت من مخاطر «حزام البؤس والحرمان» حول العاصمة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، والتي استوحى من تقاريرها بعد عشرات السنين البطريرك صفير تحذيره الشهير لطبقة السياسة والمال في لبنان أن: «لن تستطيعوا أن تعيشوا بهناء وسط بحر من الجياع»!

«أين القرار»؟

وما نشهده في لبنان اليوم من البطالة والفقر والعوز والحرمان في طرابلس والضنية وعكار وفي العديد من مناطق الشمال والجنوب والجبل والبقاع وفي أحياء البؤس في بيروت بما قد يقترب يوما الى حدود الجوع في بنغلادش! وربما أكثر إذا رفع الدعم عن الحاجيات الأساسية والضرورية واستمر انخفاض العملة الوطنية وارتفاع سعر صرف الدولار الى وضع استشفه الشيخ عبد الله العلايلي في مهرجان ضخم للمعارضة في ملعب النجمة ببيروت ضم عشرات آلاف اللبنانيين من مختلف الفئات والطوائف والأطياف بخطاب له خلال المهرجان قال فيه وكأنه اليوم:

«الناس يبنون وما في الديار غير الدمار وشعب لبنان سائر الى الانهيار. فأين القرار؟!».

كان ذلك في خلال أزمة سياسية - اقتصادية واحدة في العام ١٩٥٣ فكيف الآن في مسلسل كوارث اقتصادية ومالية ومصرفية ونقدية واجتماعية ومعيشية ووبائية وسياسية محلية واقليمية ودولية، وبعد ٦٨ عاما من خطاب الشيخ الثائر العلايلي ما زال السؤال نفسه... أين القرار؟