6 تموز 2021 08:17ص بين مرفأ بيروت واقتصاد لبنان قصة مدينة «سواكن» السودانية

حجم الخط
خلال فترة إقامة في السودان أخذني محافظ منطقة الجبل الأحمر في جولة أطلعني خلالها على معالم الحياة والحضارة والتاريخ في تلك المنطقة التي لفت نظري فيها بشكل خاص مدينة عامرة بالبيوت والفيلات والمباني. ورغم ان الجولة لم تكن في يوم عطلة كانت المحلات والدكاكين مقفلة، ولا أحد يطل من الشرفات، والشوارع خالية تماما من المارة والسيارات. ورغم ان اسم المدينة «سواكن» فقد كانت بلا سكان! وكأنها احدى المدن الأميركية التي بعد أن يقيم فيها القادمون الجدد سنوات وييأسون من العثور على الذهب يهجرونها وتبقى البيوت الجميلة والفلل والمباني الفاخرة خالية من أهلها الذين يرحلون الى مدن أخرى بحثا عن مكامن جديدة للمعدن الأصفر الثمين.

وهكذا كان حال مدينة «سواكن» السودانية التي علمت من محافظ الجبل الأحمر، ان اقتصادها كان يعتمد كليا على وجود مرفأ حيوي طوال عدد كبير من السنوات أقام خلالها القادمون الجدد معالم العمران الحديثة والمرافق التجارية النشيطة التي تنحصر مواردها من حركة المرفأ المتوسط الحجم والتسهيلات، ما اضطر الحكومة الى بناء مرفأ كبير بديل في مدينة «بورتسودان» انتقلت إليه الحركة والنشاطات التجارية وانتقل معها الى مدينة المرفأ الجديد سكان «سواكن»، وباتت مدينة المرفأ القديم التي تحوّلت الى بيوت وفلل ومباني بلا أهالي أو «ما في حدا» كما في أغنية فيروز فنانة العرب ولبنان الذي شهد مرفأ عاصمته بيروت ما وصف بـ «أكبر عملية تفجير غير نووي في العالم»! حتى كأن الغاية من التفجير إطفاء الحياة في المرفأ وضرب الحركة التجارية في مدينة بلد يتعرّض قبل تفجير المرفأ وبعده لمخططات تدمير مالي ومصرفي واقتصادي واجتماعي هدفها تحويله بأسره الى... «سواكن»!

ولعل من أشهر حالات الارتباط بين معيشة وحياة المدن بحيوية المرافئ، ما حصل للممالك الافرنجية الصليبية التي بعد أن ازدهر اقتصادها طوال نحو ٢٠٠ عام على ساحل المتوسط أصيب اقتصادها بالشلل عندما انتقل النشاط التجاري الى مرافئ أخرى وتوقفت معالم الحياة على السواحل المتوسطية ما اضطر جحافل الصليبيين للعودة الى أوروبا لا سيما مع الفشل في استجلاب استثمارات جديدة وكثافة سكانية أوروبية بما يؤدي الى توازن نسبي مع سكان المنطقة، وهو الهاجس الذي يشكّل الآن الموضوع الرئيسي في دراسات الجامعات الإسرائيلية سواء لجهة تطوير القدرات التنافسية للمرافئ أو السعي المتواصل لاستجلاب يهود جدد الى فلسطين المحتلة، وعملا بمقولة اسحق شامير الشهيرة: ان مصير إسرائيل يتوقف على مدى قدرتها في استجلاب ٦ ملايين اضافي من شتات يهود الخارج الى إسرائيل الداخل.