بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 آذار 2020 12:22ص تقلّبات الدولار بين مصرف لبنان والمصارف والسوق السوداء

حجم الخط
الصرافون لا سيما غير المرخص لهم يستمرون في مخالفة تعميم مصرف لبنان الالتزام بفارق ٣٠% مع السعر الرسمي كحد أقصى، وحجتهم أن السوق أي العرض والطلب، هو الحاكم الحقيقي وصاحب القرار في تقرير سعر الدولار، وان حرية الاقتصاد بموجب الفقرة (و) في مقدمة الدستور هي القول الفصل في الموضوع، لكنهم يتجاهلون عن رغبة أو عدم معرفة، الفقرة (ز) وتأتي بعد الفقرة (و) مباشرة وتوصي بـ «الانماء الاقتصادي المتوازن» الموصوف في النص بأنه «ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام» وأهم عناصره سلامة النقد وحمايته من المضاربات.

وإذا كان البنك المركزي في هذه الظروف المالية الاستثنائية، غير قادر بسبب شح الاحتياطيات، على الدخول الى السوق ودعم سعر الصرف وتحقيق الاستقرار النقدي، فلا يعني ذلك انه يحق للصرافين استباحة الأسعار في «سوق سوداء» لا تقررها «عوامل العرض والطلب»، أو كما يدّعون في بياناتهم، أو ضرب «الحرية الاقتصادية» التي نص عليها الدستور، بتخزين الدولار أو بيعه بأسعار عالية جداً تضر بأسعار المواد المعيشية في بلد أكثر من ٧٠% من استهلاكاته يعتمد على الاستيراد ما يجعل من الدولار، إضافة إلى كونه «سلعة شعبية»، مادة ذات طابع استراتيجي أساسي عليه في الملاحقات القضائية ما ينطبق على تجار القمح والرز والسكر وسواها من المواد المعيشية من الذين يخزنون هذه المواد الأساسية ويضاربون بأسعارها خارج لعبة العرض والطلب، كما ينطبق أيضاً لجهة العقوبات وبدرجة أكبر على مؤسسات الصرافة وتجار العملة الذين يخزنون الدولار على أمل بيعه أو المضاربة به بأسعار أعلى، حيث ان هذا العمل لا يلحق الضرر بمعيشة الناس فقط، بل وبسلامة النقد المرتبط بفكرة الوطن، بدليل القاعدة الاقتصادية الشهيرة If you want ruin a country ruin its currency أو «إذا أردت أن تخرب بلدا أخرب عملته». والدليل أيضاً أنه في غالبية المفترقات التي كان سعر الدولار خلالها يصول ويجول، كان هناك دائما صولات وجولات سياسية واقتصادية. فمن بداية الحرب اللبنانية عام ١٩٧٥ وصولا الى نهاية الحرب مع اتفاق الطائف قفز الدولار في توترات تصاعدية متتالية من 2,45 ليرة الى 790,45  ليرة ثم الى 2382,25 ليرة قبل أن يثبته مصرف لبنان على 1507,50 ليرة وليتراوح أخيراً لدى المصارف إلى حدود بين ١٥١٥ و١٥٢٠ وحدود أبعد يرسمه مساء وصباح كل يوم الصرافون المرخصون وغير المرخصين على هواهم في سوق متقلبة الألوان من رمادية الى سوداء الى أكثر سوادا ودون أي خطوط حمراء يتخطاها تجار تسييل شيكات الدولارات بحسومات من قيمتها تتراوح بين ٣٠ و٣٥%.

ووسط هذا «الزحام النقدي»  في أسواق صرف متعددة بدءاً من المصارف الى تجار حسم الشيكات مرورا بالصرافين وغير المرخصين، بات المستقبل القريب والبعيد لليرة اللبنانية أسير دولار مهيمن دفع صندوق النقد الدولي الى التوصية أو اشتراط تحرير سعر الصرف، وبوكالة التصنيف الدولية «موديز» في تقرير أخير لها، الى توقع «احتمال كبير» لوقف الدعم الرسمي  Peg لليرة مقابل الدولار كجزء من خطة تعديل اقتصادي شاملة في ضوء المدخرات الوطنية السلبية في لبنان، والارتفاع في النفقات على السلع المستوردة فوق قاعدة انتاج متآكلة، حيث الانخفاض الحاد في الليرة اللبنانية سيستتبعه انخفاص كبير في القوة الشرائية للسكان وزيادة كبيرة جداً في الدين الحكومي. ومع خفض قيمة العملة مرة واحدة بنسبة ٢٠% سيرتفع الدين الحكومي - في نظر موديز - الى نحو ٢٠٠% من الناتج المحلي الاجمالي. كما من المحتمل عمليا - حسب «موديز» أن تكون الصدمة أكبر، حيث من شأن الانخفاض الكبير للقيمة أن يعمّق الانكماش الاقتصادي ويساهم في ارتفاع كلفة الدين.. ولتثبيت عبء الديون فان الأمر يحتاج عندها - حسب الوكالة - الى دعم أكبر من القدرة التنافسية وتوقعات أفضل للنمو على المدى الطويل.