يأتي إقرار مجلس النواب للبطاقة التمويلية بعدما بلغت نسبة الفقر في لبنان 55% من عدد السكان حسب إحصاءات صندوق النقد الدولي، الذي عندما كان يحضر هذه الإحصاءات كان سعر الدولار مقابل الليرة ربع ما هو عليه الآن.
والآن بعد الارتفاع الصاروخي للسعر، يفترض أنّ نسبة الفقر لم تعد 55% من عدد السكان، وإنّما من عدد اللبنانيين الذين لا يقل عددهم عن 4 ملايين لبناني بينهم أكثر من 2 مليون في خانة الفقر.
ومع المعدل الوسطي بين تقديرات البنك الدولي ومؤسّسات إحصاءات عالمية بأن معدّل دخل الفقر هو 4 دولارات يومياً، فإنّ المجموع المطلوب لتأمين معيشة الحد الأدنى لـ2 ملايين فقير لبناني هو 8 ملايين دولار يومياً أو 240 مليون دولار شهرياً.
وبالتالي، فإنّ الـ546 مليون دولار للبطاقة التمويلية قد لا تكفي لمحاربة الفقر في لبنان لأكثر من 3 شهور فقط!! وهذا إذا بقي سعر صرف الدولار على حاله الآن، وإلا فقد لا تكفي لأكثر من شهرين، تعود الأمور بعدها إلى أسوأ مما عليه الآن بالنظر إلى أنّ عدداً كبيراً من الذين هم خارج دائرة الفقر في ظل سعر الصرف الحالي، سينضمون الى 2 مليون فقير وتزداد معهم حالات الفقر إلى حد أنّ ميزانية الـ556 مليون دولار قد لا تكفي عندها كلفة معيشة فقراء لبنان لأكثر من شهر واحد، وبما يعطي مصداقية للرأي السائد بأنّ ما سُمِّي بـ»بطاقة تمويلية» هو في الواقع «بطاقة انتخابية» ليس أكثر من حفنة دولارات لا تغني عن فقر وجوع!
وكل هذا...
إذا تأمّن التمويل الذي تشير كل الدلائل إلى أنّه سيكون في غاية الصعوبة لأسباب عدّة منها أنّ السيولة غير متوافرة لا من موازنة الدولة التي يُفترض إعادة تقديراتها الآن بعدما اخترق الدولار حاجز الـ18 ألف ليرة، ولا من الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان الذي هو ملك المودعين وليس ملك الدولة أو مصرف لبنان الذي ليس لديه احتياطات خاصة كي يلبّي بها طلبات الدولة التي يلزمه بها قانون النقد والتسليف في حال أن الاحتياطي هو ملكه أو ملك الدولة وليس من احتياطيات ودائع وجنى عمر المودعين! ولذلك طلب حاكم مصرف لبنان «تغطية قانونية» من قِبل الدولة إذا طلبت إليه أي تمويل من الاحتياطي الإلزامي، وردّت نقابة المحامين بالمقابل بأنّها ستقاضي أي مسؤول يمس أموال المودعين التي هي «ملكية خاصة» مقدّسة بموجب الدستور.
وتبقى هناك مصادر أخرى للتمويل يُتداول بها، منها قرض البنك الدولي بـ246 مليون دولار الذي تسعى الدولة الى إجراء تعديلات عليه تناسبها وقد لا يوافق عليها البنك الدولي، إضافة الى قرض آخر بـ300 مليون دولار تسعى الدولة لنقله من تمويل مشاريع إنمائية إلى تمويل البطاقة التمويلية. وهذا إلى مصادر تمويل أخرى منها استخدام حصة لبنان في صندوق النقد الدولي التي تحيط الشكوك بإمكانية الحصول عليها، أولا بسبب الأولويات المستجدة لدى الصندوق لمواجهة تداعيات جائحة الكورونا والأزمات المالية العالمية وتأثيراتها على الدول الواقعة تحت سيف الفقر المدقع والجوع والمرض. وثانياً لأنّ سمعة لبنان قد اهتزت بعد أن أعلنت الدولة إفلاسها وتوقفت عن دفع ما عليها من مستحقات بالعملة الأجنبية للجهات المحلية والأجنبية. وثالثاً لأن الصندوق والبنك الدوليين يشترطان للتمويل الاصلاح الاقتصادي والسياسي، والتأكد من شفافية طرق توزيع المال ليصل الى الفقراء وبمعايير دقيقة ذات مصداقية وليس لغايات سياسية وبطرق استنسابية أو عشوائية كل الدلائل تشير اليها الآن، في أنّ إقرار البطاقة من قبل «الجهابذة» النوّاب يأتي في وقت تهتز خلالها مقاعدهم في البرلمان على دوي الصيحات الشعبية في كل لبنان.