أرقام الأزمة تقف مثل أعمدة النار أمام «حكومة المهمات» التي انتزع تأليفها بقدرة قادر ورغم أكثر من حاجز ومانع، وبما يحتاج الى معجزة في زمن عزت فيه المعجزات، وأبرز ما فيها:
١- الآثار السلبية لقرار الحكومة الراحلة الامتناع عن دفع سندات لبنان الأجنبية الـEurobonds ما تسبب في تصنيف الوكالات الدولية حالة لبنان بدرجة التعثر المالي (RD (Restricted Default التي تسبق الانهيار الكامل بما يؤدي الى توقف ضخ سيولة جديدة سواء بشكل ايداعات أو استثمارات أو حتى ربما أي قروض. وسيكون الخروج من هذا المأزق المادي والمعنوي أحد أهم التحديات أمام القيادة السياسية للحكومة الجديدة وفريقها الاختصاصي والإداري.
٢- تراجع إيرادات الموازنة العامة بأكثر من ٥٠% بما يؤدي الى زيادة الضرائب والى القرار الأخير لوزارة المال باحتساب الضريبة على الـT.V.A وعلى الرواتب بالعملات الأجنبية على سعر الصرف في السوق السوداء (بحدود ١٦٠٠٠ ليرة الآن) بدلا من سعر الصرف الرسمي (1507,5 ليرة) الأمر الذي يراه خبراء التدقيق والمحاسبة «مخالفة قانونية» و«بدعة» تتنافى مع أصول المحاسبة العالمية.
٣- الارتفاع المتواصل لكمية النقد المتداول منذ العام ٢٠١٩ بـ٩ أضعاف يتوقع أن يصل الى ١٢ ضعفا في حال صرف البطاقة التمويلية بالليرة بدل الدولار، ومع الانفاق بالليرة للجزء الباقي من الموازنة حتى نهاية العام، بما يطلق عندها معدل التضخم نحو حدود جديدة وخطيرة الى أبعد من معدل الـ١٥٠% الحالي ويزيد في انهيار القوة الشرائية بمداخيل الأكثرية الساحقة للشعب اللبناني وارتفاع أسعار السلع والخدمات الى درجة انتشار الفوضى التي جاء تأليف الحكومة الجديدة بمثابة «نازع الصواعق» بتسوية سياسية تمنع تحول الوضع الى فوضى دموية.
٤- مخاطر تواجه الأمن الغذائي (عبّرت عنها تقارير صندوق النقد والبنك الدوليين عن نسبة الجوع و«الأسكوا» الأمم المتحدة عن نسبة الفقر والفقر المدقع) وسط موسم شتاء يغيب عنه دعم الانتاج الزراعي بدءا من الأسمدة والأدوية الزراعية التي كانت تدعم بسعر صرف ٣٩٠٠ ليرة وأصبحت تحت رحمة سعر صرف السوق الموازية، والمحروقات التي كانت مدعومة بسعر صرف الـ١٥٠٠ ليرة وارتفع الى ٨٠٠٠ ليرة، وصولا الى الرفع الكلي للدعم بما يؤثر على أكلاف الري والتخزين في البرادات والنقل الى الأسواق الداخلية والخارجية وأكلاف التبريد في صالات العرض. وكل هذه العوامل وسواها ستؤدي الى تقلص المساحات الزراعية والى المزيد من استيراد المنتجات الزراعية والغذائية الخارجية التي ستصبح أكثر فأكثر كلفة مع ارتفاع سعر صرف الدولار بأكثر من ١٠ أضعاف منذ بداية الأزمة وحتى الآن.
٥- استمرار اعتماد الأدوية والمستلزمات الطبية على الاستيراد من الخارج وبسعر صرف الدولار المرتفع بما أدّى الى ارتفاع معاناة عشرات آلاف المرضى العاجزين عن تأمين كلفة العلاج أو شراء الأدوية والمستلزمات الضرورية.
٦- الأزمة الوجودية التي يمرُّ بها القطاع السياحي لا سيما مع الانقطاع الطويل وشبه التام للكهرباء والماء وفقدان المحروقات ما أدّى الى إقفال أكثر من نصف المؤسسات السياحية وعدد كبير آخر يعمل بنصف طاقته وصولا ربما الى الاقفال النهائي في حال استمرار الأزمة الاقتصادية وتعثّر العلاقات بين لبنان والدول العربية التي كانت تشكّل المورد الرئيسي للقطاع السياحي اللبناني بالعملات الأجنبية.
٧- مشكلة المياه في ما أورده تقرير «اليونيسيف» ان أكثر من ٤ ملايين شخص في لبنان من بينهم مليون لاجيء يتعرضون لخطر فقدان إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب، فيما الحفاظ على استمرار هذا التدفق عبر شبكة المياه العامة من خلال تأمين الحد الأدنى من كلفة المحروقات وتوفير الكلور لتعقيم المياه، وتأمين قطع الغيار والصيانة اللازمة للحفاظ على سير عمل أنظمة المياه الحيوية وضمان الوصول بشكل آمن لتشغيل منظومات المياه العامة، يحتاج الى ٤٠ مليون دولار سنويا. ويرجح تقرير «اليونيسيف» ان «غالبية محطات ضخ المياه ستتوقف تدريجيا في مختلف مناطق لبنان»! في وقت تنشط السرقات من المياه الاستراتيجية من باطن الأرض ومن الشبكات مع توقع ارتفاع أسعار المياه المعبأة في قناني وعبوات بدءا من شهر أيلول الى ٤ أضعاف ما كانت عليه قبل الأزمة.
٨- والحلول لكل هذه الرزايا والمحن الاقتصادية لخّصها رئيس الجمهورية بصورة «طوبوية» على الوجه التالي:
١- المضي في مكافحة الفساد لا سيما مباشرة العمل في التدقيق الجنائي (رغم ان ما تبقّى من مدة صلاحية كشف السرية المصرفية شارفت على الانتهاء!!). ٢- تأمين المستلزمات الأساسية للمواطنين والسعي لتأمين الأموال اللازمة لاستمراريتها (رغم محدودية مصادر التمويل التي لم تعرف بعد بدءا من البطاقة التمويلية!). ٣- استكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي (رغم ان الدولة ما زالت في مرحلة استشارات ومباحثات ولم تبدأ المفاوضات بعد بما يحتاج الى تأليف وفد كفوء مفاوض وخطة متفق عليها من أطراف الحكم!). ٤- تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر بما فيها البرنامج الواردة في البرنامج الاستثماري (رغم ان مقررات سيدر تحتاج الى إعادة تقييم وتحديث). ٥- العمل بموجب الخطط الاقتصادية بدءا من خطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وخطة التعافي لإنقاذ البلد من الأزمة المالية، واستكمال وتنفيذ خطة للكهرباء، واستكمال وتنفيذ خطة معالجة النفايات الصلبة، وإقرار وتنفيذ خطة «ماكنزي» لتحفيز القطاعات الانتاجية... وكل هذه الخطط والبرامج والقرارات والاجرءات التي وضعها رئيس الجمهورية في سلة واحدة تحتاج بعد انجاز الانتخابات الى ثقة وتفويض من مجلس نواب جديد لهذه الحكومة كي تنفذ ما أخذت على عاتقها من مهمات لن يمكن انجازها خلال عمر محدد بثمانية شهور بل الى جلجلة من العزم والصمود أمام تحديات وتجاذبات الداخل والخارج على مدى عقود من السنوات. ٦- وأخيرا من المياه التي هي في العلم والشريعة مصدر «كل شيء حي» الى المال الذي هو ماء الحياة الدافق في شرايين الاقتصاد، وتكاد «تنشف» دولاراته على حد تعبير الرئيس ميقاتي عشية تأليف الحكومة الجديدة في لبنان المدولر في كل قطاعاته الاقتصادية وفي طليعتها القطاع المصرفي الذي ستكون إعادة هيكلته أولى الأولويات أمام الحكومة الجديدة وبموجب خطة تبني على تعديل وتحديث أرقام الخطط السابق في ضوء التطورات والمستجدات وبما يؤدي بشكل عادل وقانوني الى توزيع الخسائر الناتجة عن السياسات المالية والمصرفية والنقدية السابقة بين الدولة والمصارف ومصرف لبنان بما يعيد أموال المودعين من مقيمين ومغتربين وعرب وأجانب ويعيد في الوقت نفسه الثقة بلبنان واقتصاده كمكان آمن للايداعات والاستثمارات.