بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 شباط 2020 08:26ص حكومة حل مشكلة سندات أم حكومة خطط وإصلاحات؟

حجم الخط
الحكومة الجديدة في حيرتها أمام استحقاقات «اليوروبوندز» بين التأجيل والتسديد، لا تعمل بموجب نموذج علمي أو نظرية اقتصادية رغم خبرة معهودة لدى بعض وزرائها من أهل الاختصاص، بل تعمل بأسلوب «حالات طواريء» ليس من الواضح حتى  الآن تداعياتها القريبة والبعيدة. 

وعلى سبيل المثال اذا أجلت الحكومة واعادت هيكلة الاستحقاقات، ما هي الخطة الجاهزة لديها لاستخدام المال الذي جرى الاحتفاظ بدل التسديد؟ وما هي فرص الاستثمار المتوافرة التي يمكن ان تقضي المبالغ الأصلية والفوائد العالية المتراكمة عليها لو أجلت التسديد؟. 

ومن جهة ثانية فان الحكومة التي وعدت في بيانها الوزاري بالشفافية لم تصارح حتى الآن كيف يمكن التوفيق بين تأجيل دفع سندات تحملها المصارف على الدولة وفي الوقت نفسه ضرورات ضخ المزيد من السيولة للمودعين، ولو بجزء من ايداعاتهم، لا سيما ان التأجيل واعادة الهيكلة الذي يبدو حتى الآن الخيار الأقوى بديلا عن التسديد، قد يرضي الدولة ولا يرضي المودعين الذين ستمنع عنهم المصارف على الأرجح السحوبات الأسبوعية في حال عدم التسديد، ولا يرضي في الوقت نفسه المستوردين الذين يعانون الآن من تقنين استيراداتهم بالدولار.

ثم هناك السؤال: هل جاءت حكومة الاختصاصين للبحث في تسديد أو تأجيل ديون، دون الوصول الى الأساس في لب المشكلة التي أوصلت البلد الى ما هو عليه الآن؟ 

وحول أيهما أفضل التسديد أم التأجيل، اليس من المفروض ان الجواب كان متوافرا أساسا لدى الاختصاصيين الذين ضمتهم الحكومة، ممن لديهم الخبرة والمعرفة العلمية والعملية، حتى قبل دخولهم الحكومة يمكنهم من رسم حقيقي للواقع مع استشراف للمستقبل FORECAST  فيما يبدو ان بحكومة بكافة وزرائها تستهلك من وقتها ووقت اللبنانيين شهورا في موضوع سندات اليورو والدين العام عموما، ودون أن يكون خطة مسبقة جاءت على أساسها الى الحكم على نموذج الدول المتقدمة التي عندما تتولى الحكم تحمل خططها معها، وعندما تتسلم السلطة تباشر بتنفيذها، بدل استهلاك الشهور وربما السنوات في البحث والتحليل أو التجميد أو التأجيل. وهذا مع انه يفترض أنه كان لدى خبراء الحكومة الحاليين فكرة واضحة عن عدم امكانية الدفع ومنذ نيسان 2019 عندما أكد صندوق النقد الدولي في تقرير واضح عن لبنان «أنه بعد توضح المشكلة الاقتصادية عن اللبنانيين، خفض توقعاته عن معدلات النمو بسبب سوء العجز الداخلي والخارجي من 2 و2,40 و2,85% عن الأعوام2020 و2021 و2022 الى 0,25 و1,30 و1,95% عن تلك السنوات» وبسبب ما اسماه الصندوق في تقريره «ظهور المزيد من الانكماش الاقتصادي».

واذا كانت مسألة سندات اليوروبوندز ستستنزف هذا الوقت الطويل، فأي وقت كاف سيبقى لحل باقي المسائل الأساسية ومنها الاصلاحات الاقتصادية والمالية والاجراءات القضائية التي ضد ممارسات الفساد والمحسوبيات والتهريب الجمركي والتهرب الضريبي والأموال المنهوبة والمهربة، ومنع الاحتكار وضمان سلامة الغذاء، ومشكلة الكهرباء واستقلالية القضاء والوضع المالي  والنقدي وقانون جديد للانتخابات، واعداد خطة استراتيجية للتنمية المستدامة، وتنظيم قطاع الاتصالات وتحديثه وتوحيد المناهج الدراسية وحماية موارد لبنان الطبيعية، وتشجيع الصناعة والزراعة والسياحة، وحماية ثروة لبنان النفطية والغازية، وتفعيل وتحديث الادارة العامة ومعالجة البطالة بزيادة فرص العمل والحفز على دفع الضرائب وخفض النفقات العامة ولجم التضخم وزيادة معدلات النمو واستعادة الثقة المحلية والعربية والعالمية.. وفيما كل بند من هذه البنود يحتاج الى سنوات كي تعد له مشاريع قوانين، وارسالها الى اللجان ـ مقبرة المشاريع في لبنان! ـ  وبعدها الى مجلس النواب للمناقشات الطويلة وفي اطار نظام المذهبية والطائفية والمحصاصات والمحسوبيات.

وحتى الآن، ومن خلال الجدل الذي يدور في فراغ بشأن سندات «اليوروبوندز» وسط مؤيدين ومعارضين، يحق السؤال عن المسار والمصير للحكومة الجديدة التي ولدت بعد مخاض سياسي عسير، ووسط أزمة نقدية ومصرفية ومالية مستعصية لا يبدو انها قادرة على مجرد التعاطي معها، فكيف بايجاد الحلول للها ومنها: الانخفاض المتواصل  في سعر العملة الوطنية.والارتفاع المتواصل في أسعار المعيشة. والارتفاع المتواصل في حجم الدين العام. وتراجع الصادرات الصناعية والزراعية. وهبوط الحركة السياحية والحركة التجارية. والعجز المتواصل في ميزان المدفوعات والعجز في الميزان التجاري. وهبوط عدد رخص ومساحات البناء. وتراجع الحركة ومرفأ بيروت. وهبوط رسملة البورصة الى الحد الأدنى. وهبوط حجم الاستثمارات المباشرة الى حد الغياب التام.

فهل، من خلال الوقت الطويل الذي يستغرقه الآن استحقاق واحد لليوروبوندز في آذار المقبل، ما يدل على ان الحكومة الجديدة سيكون لديها من الوقت الكافي بما يمكنها من.. الإقلاع؟!