بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 أيار 2020 07:09ص حلول لإنهيار العملات خارج «التنظيرات»

حجم الخط
عندما افتتحت الملكة اليزابيت المبنى الجديد لبنك انكلترا المركزي سألت خبراء الاقتصاد المحيطين بها: لماذا لم يتمكن أحدكم رؤية الأزمة الاقتصادية العالمية (2008) باكرا. وقبل ذلك غرّد شاعر الشعب عمر الزعني على طريقته أنه «لا طبيب اميركي ولا خبير بلجيكي» استطاع أن يجد حلا للمشاكل اللبنانية الاقتصادية التي باتت اليوم تحتاج الى.. ساحر!

والآن مع العدد الكبير في لبنان من الاختصاصيين الماليين والاقتصاديين يدهش المواطن اللبناني، وهو يرى الأزمة الاقتصادية تتواصل وليس هناك فريق أو فرد يستطيع أن يقدّم حلولا مبتكرة على غرار «لي كوان يو» في سنغافورة أو «مهاتير محمد» في ماليزيا، أو «هاليمار شاخت» في ألمانيا.

وعلى سبيل المثال عندما هبط المارك خلال الأزمة الالمانية التضخمية الكبرى في الثلث الأول من القرن العشرين من 2,40 الى 2 ترليون مارك للدولار الواحد(!)، أصدر حاكم البنك المركزي في حينه «هاليمار شاخت» ثلاثة أنواع من الماركات (قد تكون حلولا مفيدة للأزمة النقدية والمصرفية اللبنانية) وهي:

1 - «مارك» صناعي بشكل سند MEFO-BILL مغطى بانتاج العمال. 2 - مارك عقاري مغطى بعقارات الدولة. 3 - مارك الرهونات الذهبية، مغطى بما يودعه المواطنون من ممتلكاتهم من الحلي والمجوهرات مقابل فائدة رمزية.

وكانت هذه الماركت تستخدم في التداول في الانتاج وفي تحريك العجلة الاقتصادية.

1ـ «المارك» الصناعي الـ MEFO-BILL: يناله عمال المصانع عن كل 8 ساعات عمل ويشترون به المحلات أي انتاج صناعي ومحلي. وكان صاحب المحل يجمع هذه الماركات الصناعية من العمال ويشتري بها من المصانع مجدداً أي سلع مصنوعة من تلك المصانع التي حلّت بهذه المبادلة SWAP (بين قوة العمل وثمار الانتاج) مشكلة المارك المنهار القديم عن طريق دفعها بالمارك الصناعي الجديد. وهكذا تحركت الآلات الصناعية التي كانت متوقفة، وانطلق الانتاج، وقبض العمال رواتبهم بالمارك الصناعي الجديد مقابل ساعات عملهم واستهلكوا من حاجاتهم مما انتجوه بأنفسهم. وعلا بقول جبران: «ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج وتشرب مما لا تعصر».

2 - «المارك» العقاري: مغطى بعقارات بالدرجة الأولى التي تمثلها الدولة وأقبل عليه الشعب بديلا عن المارك المنهار، لأن من يحصل على هذا المارك يكون لهم أسهم في عقارات الدرجة الأولى PRIME LAND التي لها قوة التغطية الذهبية وأحياناً أكثر، لأن العقار أخذ يرتفع بعد بدء الحلول العملية للأزمة النقدية.

3 - «مارك» الرهونات: وهو عبارة عن أي كمية من الذهب سواء أونصات أو مجوهرات شخصية، بدأ المواطن يخشى عليها من السرقات، يضعها في عهدة البنك المركزي ويأخذ مقابلها «سند رهونات» مع فائدة رمزية صغيرة. وهو عبارة عن «مارك ذهبي حقيقي» لأنه مغطى بكميات وموثوقة الوزن من الذهب. وكان التداول منتشرا بهذا النوع من الأدوات المالية الى جانب «المارك» الصناعي و«المارك» العقاري.

وهكذا بدلت ألمانيا المارك القديم بثلاثة ماركات جديدة: «الصناعي» الذي حلّ مشكلة أجور العمال ونالوا مقابل عملهم ما يستهلكون به كل ما يحتاجونه في معيشتهم اليومية. «العقاري» الذي بات في التداول مساهمأً في المبادلات اليومية كوسيلة ابرائية تلعب دورها في الأسواق بعملة مقبولة مغطاة بأفضل عقارات الدولة. وأخيراً «مارك الرهونات» المغطى بالذهبية والمقبولة أيضاً كقوة تبادلية ابرائية اضافية في تسديد الموجبات وشراء الحاجيات، جنباً لجنب مع المارك العقاري والمارك الصناعي.

وقد بقيت هذه الماركات في التداول لفترة طويلة، لغاية الفترة التي تمكنت ألمانيا من الحصول خلالها على قروض لشراء المواد الأولية من الضرورات للصناعة، والتي اكتملت بها عملية الانتاج الصناعي الكامل الذي بدأت تصدره للخارج وتحصل مقابله على العملات الصعبة التي تمكنت بها من إعادة تصحيح أوضاعها النقدية وصولا الى المارك الرسمي الموحّد الذي حلّ تدريجياً مكان كل هذه الماركات المؤقتة التي حرّكت الاقتصاد الالماني، وصولا الى ألمانيا ما بعد الحرب التي باتت احدى القوى الاقتصادية الكبرى في العالم.

وعندما تولى «شاخت» وزارة الاقتصاد عام 1934 وكانت البطالة انخفضت الى 30% خفض معدل البطالة الى (صفر) وذلك بتشغيل العمال من عمر 25 عاماً فما فوق في مشاريع الطرق والأوتوسترادات والجسور ما وفر للاقتصاد بنية تحتية ممتازة للنمو الاقتصادي، أما الفتيان بين عمر 18 وحتى 25 عاماً فقد ارسلوا الى «كوميونات» فلاحية - عسكرية تجمع بين الزراعة لتوفير المواد الغذائية والتدريبات العسكرية وذلك لمدة سنتين. وكانت النساء والفتيات الالمان اللواتي يعملن في منازلهن يحصلن على راتب مقابل العمل المنزلي.

فالأزمات الاقتصادية الكبرى تحتاج الى حلول كبرى لا تتمسك بـ «تنظيرات» تقليدية أجنبية ولا بـ «مؤلفات» عفا عليها الزمن وتجاوزها الزمان، وانما برؤية الحقائق بصورة واقعية لا نظرية، واعتمادها كما هي، وجعلها تتكلم لغتها الخاصة وأنشودتها المميّزة خارج «الاسطوانات» الاقتصادية القديمة والايدلوجيات التنظيرية البالية.