بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 كانون الأول 2020 06:49ص خبير إقتصادي دولي يدعو لبنان لتجنّب مصير «الدولة الفاشلة» على غرار فنزويلا

حجم الخط
الدعوة التي أطلقها أخيراً كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي iif غريس ايراديان بأن يسارع لبنان إلى تجنّب مصير «الدولة الفاشلة» على غرار فنزويلا، جاءت بعد سلسلة تحذيرات سبق له ان وجّهها للدولة اللبنانية، منها عدم الاعتماد على إمكانية حصول لبنان على قروض أو منح من دول أو مؤسسات دولية دون «بطاقة قبول» من صندوق النقد الدولي تمنحه الثقة الدولية للحصول على هذه القروض أو المنح. كما انتقد ايراديان في الوقت نفسه المبالغات التي يروّجها البعض بأن بين الشروط التي قد يضعها صندوق النقد على لبنان، رفع ضريبة الـT.V.A. أو خفض عدد العاملين في القطاع العام أو خفض رواتب وأجور هذا القطاع، مشيرا الى ان المطلب الأساسي للصندوق هو معالجة أوضاع قطاع الكهرباء وإجراء اصلاحات وإعادة هيكلة مالية ومصرفية، ودون هذه الاصلاحات من غير الوارد لدى الصندوق النظر في إمكان تقديم قروض للبنان. وحول وجود أكثر من معدل واحد لسعر الصرف أشار ايراديان في حينه الى ان الصندوق لا يقترح أن يوحّد لبنان هذا السعر الآن قبل أن يقوم بالاصلاحات المطلوبة. كما اقترح ايراديان أن يركز لبنان على زيادة قدراته التنافسية في القطاعات المالية والسياحية والمعرفة والتكنولوجيا والصناعة والزراعة.

وفي التصريح الأخير لايراديان الذي لديه خبرة 17 عاما في صندوق النقد الدولي، توقع أن يَنكمِش الاقتصاد اللبناني بنسبة 26.5 في المئة في العام 2020، مُترافقاً مع انخفاض حاد في سعر الصرف في السوق الموازية، ما سيقلّص الناتج المحلي الإجمالي بمقدار النصف بالدولار الأميركي.

وأشار الى انّ قيمة الرواتب والأجور تنخفض بشكل حاد بعد أن سَرّع انهيار سعر الصرف في السوق السوداء وفي المصارف وارتفاع معدل التضخّم وصولاً الى 137 في المئة على أساس سنوي لغاية تشرين الاول الماضي، في حين زاد حجم السيولة النقدية المتداولة في السوق أكثر من 3 أضعاف منذ بداية العام لغاية تشرين الثاني، كما زادت معدلات البطالة والفقر بأكثر من الضعف، ما حَفّز الهجرة الجماعية للمثقفين والمهنيين.

وان توقعات معهد التمويل الدولي للعام 2020 انّ قيمة إجمالي الناتج المحلي الاسمي (بالدولار) ستكون أكبر بكثير من توقعات صندوق النقد الدولي، كما انّ توقعاته للعجز المالي أقل من توقعات الصندوق، وذلك لسببين رئيسيين:

1- يقدّر معهد التمويل الدولي متوسّط سعر الصرف المرجّح استخدامه لتحويل قيمة الناتج المحلي الإجمالي الاسمي المتوَقّع بالليرة اللبنانية الى الدولار الأميركي، بأقل من سعر الصرف المرجّح من قبل صندوق النقد الدولي.

2- تتوافَق توقعات معهد التمويل الدولي للعجز المالي مع الأرقام الفعلية للأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، والتي تظهر عجزاً أقل ممّا كان عليه في نفس الفترة من العام الماضي. ومن المتوقع ان يعوّض الانخفاض الحاد المتوقّع في نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، الانهيار في الإيرادات الحكومية. وبالتالي، يرجّح معهد التمويل الدولي عجزاً مالياً بنسبة 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وعجزاً أولياً بحوالى 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2020. وسينخفض عجز الحساب الجاري من 11 مليار دولار في العام 2019 إلى 3 مليارات دولار في العام 2020 نتيجة انخفاض الواردات بنسبة 50 في المئة، إلّا انّ تراجع التدفقات الرأسمالية سيعوّض سلباً التحسّن في بند الحساب الجاري، ما سيؤدّي إلى استنزاف الاحتياطي من العملات الأجنبية.

وأشار إيراديان الى انّ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والجهات المانِحة الرسمية الأخرى عَلّقت الدعم المالي للبنان بشكل أساسي، بسبب الفشل المتكرر للطبقة السياسية في تنفيذ الإصلاحات الرئيسية التي يتوقعها صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي، وهي:

• إجراء مراجعة كاملة لحسابات البنك المركزي (تدقيق جنائي) لتفعيل الشفافية والمساءلة.

• إقرار قانون وَضع ضوابط على رأس المال (كابيتال كونترول).

• ضمان استقلالية القضاء للحدّ من الفساد وتفعيل المساءلة.

• توحيد أسعار الصرف المتعددة مع وصول أول دفعة من الدعم المالي الخارجي.

• إعادة تأهيل مؤسسة كهرباء لبنان ووضع حدّ للخسائر الناتجة عنها.

• تحقيق فائض مالي أوّلي كبير، ابتداءً من العام 2022، من أجل توجيه الدين العام نحو مسار هبوطي مُستدام.

• إعادة هيكلة النظام المالي الذي سيشمل إعادة الرَسملة ودمج البنوك.

• إنشاء شبكة أمان اجتماعي موسّعة لتوفير الحماية القصوى للأشخاص الأكثر حاجة.

ولفت الى انّ احتياطات مصرف لبنان المُتاحة آخِذة في النضوب، ولن يعود البنك المركزي قادراً على الاستمرار في دعم كلفة استيراد السلع الأساسية، بما في ذلك المحروقات والأدوية والقمح، مشيراً الى انه في نهاية تشرين الثاني الماضي بلغ احتياطي النقد الأجنبي 17.8 مليار دولار، ما يعني انّ هناك 800 مليون دولار فقط يمكن تسخيرها لدعم استيراد السلع الأساسية، وهي تكفي لمدة 6 أسابيع فقط، علماً انّ الـ 17 مليار دولار المتبقية هي الاحتياطي الإلزامي للمصارف.

واعتبر انّ واردات السلع المدعومة لا توفّر دعماً فعالاً للفقراء، وهي في المقابل تَستنزِف احتياطيات مصرف لبنان، موضحاً، على سبيل المثال، انّ دعم المحروقات يفيد أصحاب الدخل المرتفع ويشجّع التهريب الى سوريا حيث تفوق أسعار البنزين ضعف السعر في لبنان. وبالتالي، رأى ايراديان، الذي عمل لدى صندوق النقد الدولي لمدة 17 عاماً، انّ رفع الدعم بشكل كامل او تدريجاً، مَصحوباً بتوفير شبكة أمان اجتماعي مصمّمة بشكل جيد (تؤمّن التحويلات النقدية مباشرة للفقراء) يمكن أن يُسفر عنه تحسّن كبير في رفاهية أصحاب الدخل المنخفض. وفي المقابل، حذّر من انّ رفع الدعم في الفترة المقبلة سيؤدّي إلى ارتفاع الأسعار ويؤثر سلباً على الدخل الحقيقي.

وانّ برنامج صندوق النقد الدولي يمكن أن يضع الدين العام اللبناني، والمتوقّع أن يبلغ ذروته عند 221 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، على مَسار هبوطي ثابِت من خلال تنفيذ التدابير المالية المُشار إليها في خطة الحكومة. وبما أنّ لبنان مُتعثّر عن تسديد ديونه الخارجية، فمن المرجّح أن تتم بالتوازي مع برنامج صندوق النقد الدولي، عملية إعادة هيكلة الدين العام. وفي حال تمّ تنفيذ سيناريوهات معينة لإعادة هيكلة الدين العام بالاضافة الى الإصلاحات المالية وإمكانية ارتفاع سعر الصرف الموازي إلى حوالى 5500 ليرة لبنانية مقابل الدولار في حلول نهاية العام 2021، فإنّ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي يمكن ان تتراجع من 221% في 2020 إلى 127% في 2021.