إشراك مصرف لبنان في كل الاجتماعات المتعلقة بدعم السلع المعيشية والضرورية، كما يحصل عادة حصل أمس في اجتماع قصر بعبدا لحل مشكلة أزمة البنزين وباقي المحروقات، دليل على الاستمرار في سياسة حل جميع المشكلات المالية والاقتصادية باستنزاف أموال المودعين في المصارف واحتياط الودائع الإلزامي في البنك المركزي الذي بموجب قانون النقد والتسليف ليس من صلاحياته إقراض الدولة إلا بعمليات محدودة والى مدى معين في ما يسمّى «سلفة» أو «تسليفات» قد تتكرر في الحالات القصوى والطارئة ولكن دون تعريض الاحتياطيات الأساسية للمخاطر ومع ضرورة الحرص التام على الودائع والأمانات وعلى الثقة العامة المحلية والدولية بالقطاع المصرفي وبالعملة الوطنية التي توصف عادة بانها ترتبط بفكرة الوطن وأهم ما قيل عنها: إذا أردت أن تخرب بلدا يكفيك أن تخرب عملته!
وبالتالي فأن اللجوء الى البنك المركزي بديلا وحيدا عن الدولة لحل المشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية هو «بدعة» اقتصادية مارستها الدولة على مدى عشرات السنين الماضية، وبما يتناقض مع القوانين والأعراف التي تحكم دور المصارف المركزية في العالم والتي تخرقها في لبنان الدولة والمصرف المركزي معا في علاقة «تكافلية تضامنية» Symbiotic بين الطرفين طار خلالها جزء كبير من أموال المودعين وجزء آخر انتقل أو «تقمص» من دولارات الى ليرات انهارت قوتها الشرائية على مذبح دولة تمثلت أخيرا بحكومة تصريف أعمال لا تعمل ولا تصرف أعمال سوى ما يطلقه رئيسها ووزراؤها من شكاوى حول تدهور الأوضاع والتحذير من مخاطر مقبلة، وكأنها حكومة شكوى ونعوة لا حكومة حلول و«إنقاذ» اتخذته لحظة ولادتها شعارا لها.
ومن غرائب هذا الزمن الاقتصادي أن الحكومة التي وضعت خطة عزت فيها سبب الخسائر الى سياسة الدعم واستقرار سعر الصرف، هي الحكومة نفسها التي تشكو الآن لماذا لا يتدخل البنك المركزي لضمان استقرار سعر الصرف!! ولماذا بات يمتنع عن دعم السلع المعيشية والضرورية ويقف متفرجا على الأزمات الاقتصادية من صناعة وزراعة وسياحة وتربية وتعليم وطاقة ومياه وبيئة وإسكان، وكأنما ليس في الدولة وزارات صناعة وزراعة وسياحة وتربية وتعليم، ولا وزارات طاقة ومياه وبيئة وإسكان كي تأخذ على عاتقها حل هذه الأزمات وتنفق من ميزانياتها السنوية على إدارة وتمويل ودعم كل هذه القطاعات. بل تلجأ الى البنك المركزي بديلا أصيلا، وكأنما ودائع الناس من أملاك المصرف المركزي وباقي المصارف أو من ممتلكات وأطيان الدولة كي تنفق - وتهدر - منها على دعم هو من اختصاص خزينتها وما تنتزعه أو «تقنصه» من الضرائب على المواطن وما يرد إليها - أو تخفيه! - أو تهدره من مساعدات وهبات من الدول الشقيقة والصديقة أو من قروض تعقدها بإسم الشعب اللبناني تنفقه ثم تمتنع عن تسديدها تاركة الالتزام ومسؤولية التسديد على الأجيال الحالية واللاحقة!