بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 نيسان 2020 12:00ص «رؤية» وزير الصناعة لحماية الإنتاج المحلي المسؤوليات والتحديات أمام الصناعيين

حجم الخط
«الرؤية  المستقبلية» التي أعلنها وزير الصناعة أمس هي امتحان لمجلس النوّاب، الذي يضمُّ 15 نائباً صناعياً أو لديهم صلة مباشرة بالصناعة، يُفترض أنْ يشكّلوا «لوبي صناعياً» في وجه ضغوطات استيرادية على الميزان التجاري، يزيدها حدّة الارتفاع المتواصل في سعر الدولار، وسط أزمة اقتصادية ومالية وصحية تتهدّد مصير 150 ألف عامل في صناعة لبنان.

 وتأتي «الرؤية – الخطة» وسط «مِحنة» تُصيب مختلف مُنتجات الصناعة الوطنية لاسيما الأغذية والأثاث والمُعدّات والآلات الكهربائية والتكنولوجيا المعرفية وسواها، بما يستدعي إعادة النظر في الاتفاقات التجارية مع دول عدّة وفرض مواصفات مُحدّدة على السلع الإغراقية المُصدّرة إلى لبنان بما يخفّض من العجز في الميزان التجاري، وضرورة الإلتزام بتطبيق القوانين اللبنانية المتعلّقة بأفضلية مشتريات الدولة لمنتجات الصناعة اللبنانية، التي تلعب الدور الرئيسي في تكوين الطبقة الوسطى التي تكاد تختفي في لبنان!

 كما تأتي الخطة في وقت لا تحظى الصناعة من التسليفات المصرفية بأكثر من 12% من مجموع التسليفات بالمقارنة مع الحصص الكبرى للتجارة والخدمات والعقار والبناء والقروض الشخصية! ووسط حمايات متزايدة لدى دول العالم يقول عنها كتاب الاقتصادي الإلماني Ulrich SChäfer بعنوان Der des Kapitsmus «انهيار الرأسمالية»، بأنّ مواجهة الإغراق الخارجي بالحماية الصناعية باتت الطابع العام حتى في دول العالم الحر، وحتى في الولايات المتحدة الموصوفة بـ»قلعة الحرية الاقتصادية»، تتوسّع باستمرار دائرة الحمايات الصناعية (والزراعية) التي شكّلت جزءاً أساسياً من  الحملات الانتخابية للرئيس دونالد ترامب في نزاعه مع الصين، وسلفه الرئيس باراك أوباما في التخلّي عن جزء كبير من حرية التجارة الخارجية والتفاوض مُجدّداً مع منطقة التجارة الحرّة Nafta النافذة المفعول منذ العام 1904، بينما في لبنان كانت الأولوية دائما للتجارة والخدمات على حساب الصناعة، مع أنّ وثيقة صدرت عن جمعية الصناعيين بمناسبة «اليوم الوطني للصناعة اللبنانية»، أظهرت كيف أنّ «اللبناني عُرِّفَ عنه وقبل زمن عريق في القدم، مروراً بعهد المتصرفية، بأنّه صناعي جيد وخلاق ولديه ذوق مميّز في الإنتاج الصناعي، وصولاً إلى صناعات حديثة في لبنان اليوم بعض منتجاتها تستخدم في تركيبة بعض الصناعات الأساسية في العالم، الأمر الذي بات يفرض على الصناعات اللبنانية اختيار المنتجات ذات القيمة المُضافة العالمية والمزايا التفاضلية مع الإلتزام بالمواصفات والمقاييس الصناعية الدولية».

وحتى على الصعيد المحلي، صحيح أنّ جبران خليل جبران قال: «ويل لأمة لا تزرع ولا تلبس ولا تعصر»، لكن مشكلة كلفة الإنتاج الصناعية الوطنية ينبغي ألا تتحوّل لدى البعض إلى  احتكارات مرهقة للمواطن، وعملاً بقول جبران أيضاً: «إذا غنيت للجائع سمعك بمعدته»، وإلا فإنّه أمام المستوردات والمنافسة الزهيدة الثمن ستذهب عندها المطالب الصناعية الوطنية أدراج الرياح التي قد تجلب إلى المستهلك اللبناني المنتج الأرخص، وأحيانأً الأجود إلى الأسواق المحلية، الأمر الذي يضع على عاتق الصناعة الوطنية مسؤوليات تجاه مواطنيها المستهلكين من طبقات مُعدمة أو فقيرة أو حتى متوسّطة، وتحت شعارات بقول عنها الاقتصادي Paul Samuelson  بأنّها قد تتحوّل إلى «إيديولوجيات شعبوية» لا شعبية، ومنها الفكرة أنّ الحماية الصناعية بالمُطلق تؤدي إلى رفع أجور العمال الصناعيين، في حين أنّ ما يرفع هذه الأجور كما يقول، هو معدّل الإنتاجية للعامل لا الحماية الصناعية، فالعامل الصناعي الأميركي الذي يقبض مثلاً 8 دولارات عن كل ساعة عمل ينتج 3 أضعاف العامل البريطاني الذي يقبض 4 دولارات عن كل ساعة عمل، وهكذا فإنّ ما يحمي الصناعة ليس عقيدة جامدة أو إيديولوجيا ثابتة فقط في رفع الجمارك على المستوردات أو الإعفاءات الضريبية على الصادرات، وإنّما أيضاً في جودة المنتج ومعدل الإنتاج الإجمالية لصالح مواطن فقير لا تسمح ميزانيته مثلاً بـ50 ألف ليرة (بسعر الصرف الحالي!) لشراء كنزة تقيه برد الشتاء ولو بصناعة وطنية، بدلاً من 20 ألف ليرة أو أقل ولو بصناعة كورية أو  صينية أو  تركية!