بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 كانون الثاني 2020 12:05ص سياسية أم تكنوقراط فراغ السياسة و«نشفان» السيولة

حجم الخط
سواء ولدت سياسية أم اختصاصية فان الحكومة العتيدة ـ اذا ولدت! ـ ليس لديها برنامج اقتصادي ومالي كامل يكسبها شرعية شعبية واستنادا الى برامج هي الأساس في ولادة أي حكومة، فكيف بحكومة تهبط بالمظلات في ظروف اقتصادية ومعيشية استثنائية ووسط أزمة مصرفية ومالية خانقة، وبوزراء، بغض النظر عما ستكون عليه كفاءاتهم العلمية أو الاكاديمية، لا يجمعهم نهج اقتصادي وسياسي متجانس على النمط الذي تولد فيه الحكومات في الدول المتقدمة، حيث البرامج الحزبية الواضحة والمتصلة بكافة تفاصيل الحياة السياسية الداخلية والخارجية والاقتصادية والمالية الواضحة هي أساس الثقة العامة، التي لا تغني عنها ثقة أهل الحكم، فكيف إذا كان أهل الحكم أنفسهم ليس لديهم من المعطيات التي تنتج حلولا اقتصادية لمشاكل ازدادت حدة وخطورة لا تنفع معها أي وعود قديمة بما يذكر بقول جبران خليل جبران: «إذا غنيت للجائع سمعك بمعدته، وعندما كتب من المهجر انه يتمنى لو يتحول الى سنبلة من القمح ليطعم بها شعبه أيام المجاعة الكبرى.

فإلى أي مدى تقدم اقتصاد لبنان منذ تلك المقولة الجبرانية قبل 100 عام: اذا اعتمدنا في تقييمه معادلة العالم الاقتصادي W.LEONTIEF  ما يستخدم وما ينتج عن المستخدم INPUT/OUTPUT  أو الناتج النهائي الحاصل عن قطاعات الاقتصاد في خدمة بعضها البعض من المواد الأولية وكهرباء وماء ومختلف السلع والخدمات الوسطى، وصولا الى  محصول الناتج الاجمالي.. لوجدنا ان اقتصاد لبنان في هذا المحصول  يتعثر باستمرار أمام مطبات وحواجز وعقبات. وإلا كيف يهبط الناتج الاجمالي اللبناني من 55 مليار دولار الى 40 مليار دولار الآن، وبلاد مثل:

البلد 
السكان
 الناتج مليار دولار
لبنان
5 ملايين
 58
سويسرا
7 ملايين
707
سنغافورة
5 ملايين
372
النروج 
5 ملايين
427
الدانمرك
5 ملايين
349
اسرائيل
7 ملايين
381
    
علما ان السويد سكانها ضعف سكان لبنان وناتجها 547 مليار دولار، أي حوالي اضعاف سكان بناتج الـ40 مليار دولار، فيما لوكسمبورغ التي لا يزيد سكانها عن نصف مليون نسمة أي 10% فقط من عدد سكان لبنان ومع ذلك فان ناتجها المحلي الاجمالي (70 مليار دولار) بما يقترب من الناتج الاجمالي اللبناني.

لبنان بالطبع ليس سويسرا أو سنغافورة أو النروج وليس الدانمرك أو السويد، والسبب أنه في تلك البلدان ليس هناك مجلس دستوري غير فاعل أو مجلس اقتصادي معطل ولا فساد حكم ولا طائفية تشل الاقتصاد ولا مذهبية تعرقل النمو، فكيف يمكن أن يكون المحصول في لبنان بما هو عليه الآن، ما يكفي أهله المقيمين أو يجذب مغتربيه المهاجرين! 

وفي «غرفة الانتظار».. يستمر الوضع النقدي والمالي والاقتصادي والاجتماعي عالقاً الآن بين «شاقوفين»: حكومة لا يكفيها  انتزاع ثقة أكثرية نيابية من لون معين، بل تحتاج الى ثقة ومجتمع دولي مركب من صناديق ومصارف ومعاهد ووكالات تصنيف دولية بات لها نفوذ كبير داخل المنظومة المصرفية والمالية اللبنانية، ولها شروط وقيود اقتصادية وحتى سياسية، لا تتناسب مع توجهات الأكثرية النيابية الحالية، مما سيبقي حال لبنان في «مأزق» سياسي ـ مالي ـ اقتصادي وصراع بين «السياسة» و»السيولة» يهدد الوضع الاجتماعي بكل تداعياته المعيشية والأمنية. 

فيما الوضع المصرفي «الممسوك» بصورة هشة بسحوبات الحد الأدنى النقدية، قد لا يستمر على هذه الحال اذا استمرت السحوبات اسبوعيا لفترة طويلة. حيث الحسابات المصرفية التي تزيد عن المليون حساب، اذا كان 50% من أصحابها  سيسحب 100 أو 200 أو 300 دولار اسبوعياً وبمعدل وسطي 250 دولار اسبوعيا، أو 1000 دولار شهريا للحساب الواحد، سيستنزف 500  مليون دولار شهريا من احتياطي المصارف التي عليها في الوقت نفسه أن تواجه الاستحقاقات المتوجبة على الدولة بالدولار، والعجز الدائم في الموازنة، وفارق الـ18 مليار دولار بين الاستيراد والتصدير. فهل اذا تعثرت الحكومة السياسية بين الثقة المحلية والثقة الدولية، يمكمن لحكومة تكنوقراط اختصاصية بديلة، الى أي أكثرية نيابية انتمت، أن تكون قادرة على ايجاد الحلول لهذه المشاكل المالية والاقتصادية والاجتماعية المستعصية؟! 

أي تكنوقراط؟!

في مفهوم العالم الاقتصادي النمساوي FRIEDRICH VON HAYEK «ان التكنوقراط اذا كان مجرد «تكنوقراط» فالأرجح أن يكون ضرره أكثر لأنه سيكون عندها مصدر ازعاج وتشويش اذا لم نقل مصدر خطر جدي». والدكتور توفيق شمبور (المشرف السابق على دائرة الدراسات في مصرف لبنان) يقدم استشهادات منها لـBERNARD MARIS بان «التكنوقراط لم يتوقعوا يوماً أي أزمة قبل حصولها! وحتى عند وقوعها لم يكن هناك اجماع من قبلهم على تحليلها ولا على سبل تسويتها! ولا حتى على كيفية تفادي مثليها مستقبلا!»  ليبقى أخيراً وصف الممثل الفرنسي الشهير DE CLOUCHE للتكنوقراط بأنهم «أشخاص اذا طرحت عليهم سؤالا معينا فانك تجد نفسك بعد اجابتهم عليه انك لم تعد تفهم سؤالك الذي سبق ان طرحته عليهم»!! والبروفسور الكندي HENRY MINTZBERG استاذ مادتي الادارة والاستيراتيجيا في جامعة MCGILL يرى ان «التكنوقراط يتوقعوا بالحاضر، فيما تنقصهم الرؤية لتقييم الماضي، والخيال لاستشراف المستقبل». وأما تعريف التكنوقراط، حسب رئيس اللجنة الأوروبية للتعاون الاقتصادي والثقافي GEORGES ELGOZY بان «الحكام يحكمون في الظاهر فقط، والحقيقة ان الحكم هو لمستشاريهم من التكنوقراط»، وبما ينطبق ربما على بعض الدول المتقدمة، لكن بالنسبة للبنان فان ما يحصل دائما، ولا سيما في الحكومة المرتقبة والعتيدة، هو انه لا مجال في لبنان لسلطة «تتكنوقراطية» أو اختصاصية، دون أن يكون سلطة سياسية فوقها أو خلفها يكون لها الكلمة العليا، ولا يكون التكنوقراط في هذه ال حال سوى المظهر الخارجي الذي لا يمكن معه ترقب أي تغيير أساسي، ما  دامت كل المشاريع التي ستقدمها حكومة التكنوقراط لا بد أن تجد طريقها الى مجلس نيابي ما زال يعمل ويشرع بالأسلوب التقليدي نفسه الذي ساد الحياة السياسية في لبنان منذ الاستقلال وحتى  اليوم والى أمد غير منظور!