بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 آذار 2021 12:01ص شظايا الانهيار اللبناني تطال الأطفال.. لا حليب!

جولة ميدانية لـ «اللواء» فماذا يقول الأهالي والصيادلة والموزّعون؟

الأطفال ضحايا الطمع وتكديس حليبهم الصحي الأطفال ضحايا الطمع وتكديس حليبهم الصحي
حجم الخط
حتّى الطّفل لم يسلم من تداعيات الانهيار الحاصل على كل المستويات، فالصيّدليّات تعاني من أشهرٍ من إنقطاع حليب الأطفال كما الكثير من الأساسيّات الغذائيّة بسبب ارتفاع الأسعار أو بهدف الاحتكار. ففي حين تمتنع بعض شركات توزيع الحليب عن التّسليم منذ أشهر، وتُداهَمُ مستودعات أخرى تحتفظُ بكمياتٍ منه داخلها، يعاني الأهالي والصيادلة ذوو الضمائر ليؤمّنوا قوت الأطفال الذين أصبح غذاؤهم مهدّداً كنتيجة طبيعية للأزمة الإقتصادية والمالية القائمة. فما هي هذه المشكلة؟ وما هي مواقف الصيادلة والأهالي؟ هل هناك من حلولٍ جذرية لهذه الأزمة؟ وماذا عن دعم هذه المواد أو احتكارها وتخزينها في المستودعات؟

معاناة الأهالي 

لم يكن الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي آخر مشهدٍ للتشاجر على حصص الحليب المدعوم، فيروي بعض الأهالي لـ «اللواء» في تحقيق اليوم، معاناتهم خلال البحث عن حليبٍ لإطعام أولادهم، تقول إحدى الأمهات: «بات الوضع صعباً للغاية، خوف الأمّ الأكبر هو أن ترى أولادها مهددين بالجوع، فكيف إذا كان طفلها الرضيع إذاً»، وتضيف: «أذهب كلّ يومٍ لأتفقّد الصيدليات واحدةً تلو الأخرى، علّي أعثر على حصّةٍ واحدة من الحليب المناسب لإبنتي، فالبديل أصبح يسّبب لها مشاكل في الجهاز الهضمي، عدا عن الإحتكار في الأسعار، إذ اشتريت الحليب المدعوم بسعر 15000 ل.ل. بدل 12000 ل.ل.!».

وتروي أخرى قصّة بحثها الصّعبة عن حليبٍ لإبنتيها الصغيرتين، «على طول طريقي نحو البقاع، رحت أقصد صيدليّةً تلو الأخرى، لم أترك واحدةً حتّى، لكن دون جدوى، لم أجد لابنتاي الحليب المناسب». وتعبّر بإستياء «الوضع بات محزناً للغاية، لم نعد نهتم لغلاء السعر حتى والإحتكار فمن الصّعب أن نرى شحّاً في غذاء أطفالنا، ورحنا نلجأ للتواصل مع معارفنا في الخارج لنطلب منهم جلب الحليب معهم، أسبابٌ كثيرة تزيد مخاوفنا كلّ يوم في لبنان وتدفعنا للتّفكير أكثر بالرّحيل، أولادنا وطعامهم هو حاجة إنسانية أساسية، وحقٌّ يسلب منهم وهم أطفال»!

جبارة: لإنجاز المعاملات بوتيرة أسرع

وتعليقاً على هذه الأزمة، بحسب نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة الّذي يصرّح أنّ «الحديث بدأ اليوم عن الإتجاه نحو ترشيد الدّعم على حليب أعمار السّنتين والثلاث سنوات الّذي يُدعَم على سعر 3900 ل.ل. تماماً كالسلة الغذائية، في حين يصّنَف حليب عمر السّنة والسنتين ضمن خانة الدّعم على الدّواء أي على سعر 1500 ل.ل.، ويعتبر حليب أعمار الأربع سنوات وما فوق كأيّ سلعةٍ في لبنان، يحتاج المستورد إلى الحصول على العملة بالدولار الصافي من السّوق السوداء لشرائها». ويشدّد على أنّ «المشاكل تكمن في ثلاثة إتجاهات، الأوّل هو تأخير دفع المستحقات بالعملة الصّعبة للخارج. وثانياً، الشحّ في الكميات المستوردة فينتج عن ذلك مشكلة أخرى وهي حالة الهلع من قبل النّاس ما يؤدي بهم إلى تخزين كمياتٍ من حصص الحليب». وبدوره يرى جبارة أنّ الحلّ يكمن في «إنجاز ملفات الدّعم على الحليب في مصرف لبنان بوتيرةٍ أسرع أي خلال أسبوعين كمدةٍ قصوى للإسراع في التحويل إلى الشركات خارجاً للإستيراد. وأيضاً، وضع ضوابط للنّاس المقتدرة الّتي تشتري بكميات كبيرة وتخزّن فهذا يؤدي إلى زيادة أزمة شح الكميات في السوق». وتعليقاً على السؤال حول إحتمالية احتكار السوق أو الشركات الموزعة للحليب، يجيب جبارة أن «بعض الشركات الممتنعة عن التسليم أسبابها تعود لتأخّر معاملاتها في الدولة ولعدم تسديد مستحقات الشركات في الخارج وبالتالي عدم قدرتها على التصرف بمخزونها لذلك لا تقوم بتسليم الحليب أو تحتفظ به في مستودعاتها».

صحّة الأطفال تتأثّر سلباً!

في هذا الخصوص وللمس معاناة الناس، جالت الـ «اللواء» ميدانياً على عددٍ من الصيّدليات في الأرياف والعاصمة، وبحسب معظم الصّيادلة إنّ «أنواع الحليب المقطوعة هي Novalac, Nursie, Aptamil, Nido, Similac..». وتبيّن أنّ البيع بات مقتصراً على إعطاء الزّبون سطلاً واحداً فقط من الحليب. أمّا عن الشركات الّتي تسلّم، فشركة فتّال مثلاً، توزّع في بعض الصيدليات التي جُلنا عليها ثلاث حصصٍ من كلّ نوع، أمّا شركة FDC فتسلّم حصّةً واحدةً من كلّ صنف ولا يتوافر في معظم الأوقات كلّ الأنواع، فيما «تمتنع شركات فرعون وأبو عضل عن التّسليم منذ شهرين في بعض الصيدليات»، يؤكّد أحد الصيّادلة أنّ «جزءً من الأزمة، يكمن أيضاً في إقتصار الدعم على حليب عمر السّنة والسّنتين فقط، وحليب الحالات الصحيّة الخاصّة، ولا دعم يطال حليب أعمار الأربع سنوات وأكثر».

وفي حديثٍ للصيّدلي ح.ش. لـ «اللّواء» يكشف خلاله عن الخطورة الّتي تؤولُ إليها حال إنقطاع حليب الأطفال، يحذّر من أنّ «الأهالي والأطفال يعانون من مأزقٍ كبير اليوم، حتّى أنّ إستخدام البديل لم يعد يسدّ الحاجة بشكلٍ مناسب، ونتائج البدائل السلبيّة بدأت تظهر على صحّة الأطفال، فقد نتج عن ذلك الكثير من حالات الإسهال والإستفراغ والحساسيّة لديهم، وقد بلغت حالة بعض الأطفال الحاجة للدخول إلى المستشفى. كذلك يشير ح.ش. إلى أنّ «المشكلة الأساس تكمن في كميّات التّسليم الّتي تفرضها شركات التّوزيع على الصيّدليات، دون التّوضيح من قبلهم للسبب المنطقي وراء توقيف التّسليم أو تقليل الكميات إلى هذا الحدّ».

إذاً «قوت الأطفال» الّذي يعتبر حقّاً بديهيّاً عالميّاً، اليوم في إنقطاعٍ عنهم أمام أعين أهاليهم، ففي بلدٍ تُسلبُ فيه أحقّ وأبسط شروط العيش، لم يعد بغريبٍ أن تطال الأزمة لقمة الجميع والطفل من بينهم. سلسلةٌ طويلة من جرائم التّجويع والحرمان يعيشها اللبنانيون، حلولها باتت صعبةً للغاية، أقرب إلى المعجزات، عملةٌ متدهورة، تلوّح في الأفق بعشرات الأزمات التي حوّلت حياة اللبنانيين من أكبرهم سناً إلى أصغرهم لكابوسٍ يصعب الإستفاقة منه».