بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 نيسان 2021 12:00ص غياب كمال الجنزوري حضور إقتصادي دائم

حجم الخط
الدكتور كمال الجنزوري الذي ودّعته مصر الأسبوع الماضي ترك لمصر وللعرب في الفكر الاقتصادي والتجربة العملية تراثا يغني عن اللجوء الى المؤسسات الأجنبية لوضع الخطط الانمائية. فأهل البيت أدرى بما فيه.

ولو ان الخبراء والمستشارين الاقتصاديين في الدولة اللبنانية درسوا هذه الخطط التي وضعها خلال تولّيه وزارة التخطيط، ورئاسة مجلس الوزراء في فترة حرجة بين ١٩٩٦ و١٩٩٩ في مواجهة مشكلات اقتصادية شبيهة الى حد بعيد بالمشكلات التي يواجهها لبنان اليوم، لاستغنوا بها عن مسلسل الاستشارات الأجنبية التي كلّفت ملايين الدولارات، وألقت الدولة بها على الرف أو للحفظ في الأرشيف كما حصل مع خطة بعثة «ايرفد» قبل حوالي ٦٠ عاما ومع خطة «ماكنزي» قبل بضعة أعوام.

وقد اشتملت «الخطة العشرينية» التي وضعها الجنزوري على أربع مراحل خمسية وأبرز ما فيها ما يجمع عليه اللبنانيون اليوم: ضرورة تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، توسيع القاعدة الانتاجية، زيادة القروض والدعم والحماية للزراعة والصناعة، والتصدّي لما تسمّيه الخطة «البلطجة الاقتصادية» بوقف التعدي على أملاك وأراضي الدولة، إزالة كل منشآت تحجب الرؤية عن الشواطئ البحرية، تنظيم المناقصات والمزايدات، طرح ٣٠٠ شركة في القطاع العام لمساهمات الجمهور مع الإبقاء على ٤٩% منها للدولة، التركيز في الانفاق الحكومي على المشاريع التي تؤدي الى المزيد من فرص العمل، زيادة القوة الشرائية، تحقيق التوازن العادل بين الملاك والمستأجر، ورفع مستوى المعيشة، ولذلك دُعي الجنزوري عند تسلّمه وزارة التخطيط بلقب «وزير الغلابة والفقراء» و«فارس البسطاء» و«راعي محدودي الدخل والطبقات المتوسطة وثبات أسعار السلع والعملات».

وفي خطة الجنزوري أيضا: «توحيد جهات التعامل مع المستثمرين وتقديم حواجز تشجيعية لهم تعتمد على زيادة الاستخدام للتكنولوجيا المتقدمة في التصنيع، تكثيف استخدام العمالة، إنشاء لجنة عليا للاستثمار تختص بالنظر في المنازعات بين الجهات الإدارية والمستثمرين ووضع الحلول المناسبة لها، التوسع في نظام المناطق الحرة بما يشجع على زيادة الاستثمار العربي والأجنبي، إصلاح التعليم ليرتبط بالحاجات الاقتصادية، فتح الباب للصناعات الالكترونية والتكنولوجيا العالمية في قواعد الانتاج وإعادة تأهيلها وتحسين كفاءتها وإزالة العوائق والاختناقات التي لحقت بقطاعات رئيسية كالكهرباء والنقل والإسكان والخدمات والعمل على إستعادة كفاءتها وتطويرها، وخفض أعباء السجل التجاري وتسجيل الشركات، وتحديث المعاملات التجارية وإنشاء وزارة متخصصة في مجالات إدارة الأصول المملوكة للدولة والاستثمار والسياحة وغيرها، وتحسين إدارة الشؤون الخاسرة وتصحيح أوضاعها المالية والإدارية، وأن يقوم القطاع الخاص بدوره في تطوير البنية التحتية للمرافق العامة من محطات كهرباء وموانئ ومطارات وطرق وهواتف شرط الالتزام بما تقرره الحكومة في تعريفة بيع مثل هذه الخدمات للمواطنين. على أن تبقى الخدمات الاجتماعية المهمة الأولى للدولة من تعليم وصحة وثقافة ورعاية الشباب ودعم محدودي الدخل والحفاظ على الأمن في الداخل والخارج.

وفي الكتاب الذي وضعه بعنوان «مصر والتنمية» يتحدث كمال الجنزوري عن تجربته في رئاسة مجلس الوزراء في «تحجيم الانفاق الحكومي بالحد من شراء السيارات والأثاث وإقامة المباني والمكاتب الفاخرة، ووقف إنفاق المال العام في التهاني والتعازي وغير ذلك من أوجه المجاملات، والحد من نفقات سفر المسؤولين الى الخارج ووضع خطة ضوابط لتحجيم عدد المسافرين والسفريات، والاستعانة بالسفارات في الخارج في إنجاز الكثير من المهام بما يحقق وفرا ملحوظا في النفقات العامة».

وعن العلاقة بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، يقول الجنزوري «ان رئيس الوزراء يجب أن لا يستأذن رئيس الجمهورية عند اتخاذ القرارات وذلك ليكون مسؤولا عن قراراته ويحاسب عليها وألا كان رئيس الوزراء مجرد سكرتير لرئيس الجمهورية» وان من واجب كل وزير أن يقوم بإعداد تقرير أسبوعي عما يجب عمله في وزارته مع ملخص عن مقترحاته وإرسالها الى مقر مجلس الوزراء في الموعد المحدد وتقوم وزارة شؤون مجلس الوزراء بتلخيصها لاتخاذ القرارات الملائمة لتنفيذ المناسب منها».

ومن كل هذه البرامج والمقترحات وسواها مما تضمنته خطة الدكتور كمال الجنزوري، خرّيج الاقتصاد والعلوم الإدارية من جامعة ميتشيغان الأميركية، يمكن للبنان الاستفادة أكثر بكثير مما استفاد من خطط مؤسسات استشارية أجنبية ينطبق عليها عنوان الكتاب الشهير لأديب بيروت المبدع عمر فاخوري «آراء غربية في مسائل شرقية»!