«ان أهم ما تطمح إليه حكومتنا هو ثورة عاجلة من فوق تكون ثورة الحكم على نفسه وعلى الأساليب التي تخطّاها العصر وتمنع بالتالي قيام ثورة من تحت».
هذه العبارة التي لم تعد تتجرّأ أي حكومة لبنانية على تردادها على مدى ٤٠ عاما لا سيما لجهة «حكومة ثورة تبدأ بثورة الحكم على نفسه»، وردت في أواخر العام ١٩٧٠ في البيان الوزاري لحكومة صائب سلام في أجواء غضب شعبي عارم يشبه الى حد ما ما يشهده لبنان اليوم، تزامن مع موجة حركات شبابية عالمية تأثّر بها لبنان وترافقت جرّاء تداعيات أزمة بنك انترا وتوقف ثلاثة مصارف عن العمل، مع تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتفاقم أسعارالمعيشة وبدلات الايجار ونفقات التعليم والتطبيب وازدياد البطالة.
وما بدأت الحكومة أولى اجراءات الإصلاح على صعيد معالجة تشوّهات الموازنة التي كانت قد بدأت تغطي عجزها من أموال الاحتياطيات، الى مواجهة احتكارات أسعار الأدوية والسلع المعيشية والضرورية والحد من هيمنة الوكالات الحصرية ورفع الرسوم الجمركية على السلع الكمالية، حتى ووجهت «الثورة من فوق» بـ «ثورة مضادة من أعلى»! وبدلا من أن «يثور النظام على نفسه» كما جاء في البيان الوزاري، رد النظام بثورة على خصومه ومعارضيه ما دفع عددا من الوزراء الى استقالات أعادت البلاد الى حالة أكثر سوءا وردود فعل شعبية أكثر غضبا ساهمت الى حد بعيد بعد سنوات في عوامل اشتعال حرب الـ١٧عاما التي دمرت جزءا كبيرا من طاقة لبنان البشرية والاجتماعية والمالية والاقتصادية والعمرانية.
والآن؟
.. إذا كانت تلك المحاولة النادرة والاستثنائية للتغيير قد أجهضت في المهد، انتهت الى حرب أهلية وكان - على ضراوتها - لدى اللبنانيين عموما ما يكفي من الادخارات وحرية صرف الأموال ومتانة النظام المصرفي إضافة الى ما كان يضخّه تمويل الحرب من أموال إضافية، ما لا يتوافر منه الآن في الأزمة الاقتصادية المالية النقدية الحاضرة، فإن النهاية المرجحة الآن في ظل الفقر المدقع وجنون الدولار والأسعار وانهيار النظام المصرفي وضياع الايداعات وانهيار والقوة الشرائية للادخارات واستنزاف الاحتياطيات واستشراس الاحتكارات وحصرية الوكالات، ستكون أكثر من الفوضى العارمة (Anarchy) الى ما يسمّى بـ «الخواء» (التي اشتقت منها الكلمة الأجنبية Chaos) وتعني في حال التضخم المالي ما هو أحدث فداحة وخطورة: «تفريغ الدولة والمجتمع والمؤسسات العامة والخاصة والتشريعات والقوانين والتقاليد الأخلاقية والأعراف الاجتماعية من مقوماتها ومكوناتها» وعلى صورة الكارثة التي وصفتها رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة مارغريت تاتشر: «التضخم وحش يفترسنا جميعا دولة وشعبا.. حكاما ومحكومين»!!