بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 كانون الأول 2020 07:24ص كم؟ كيف؟ وإلى متى؟.. بطاقات تدعم الاستهلاك بدل الإنتاج!

حجم الخط
مشروع اتفاقية قرض البنك الدولي لشبكة الامان الاجتماعي في لبنان بقيمة ٢٤٦ مليون دولار بهدف رفع عدد الأسر التي تستفيد حالياً من برنامج الدعم، من ١٥٠ ألف الى ٢٠٠ ألف أسرة بحلول آذار ٢٠٢١، سوف لن يوقف الجزء الأكبر المترتب على الدولة سواء من تمويل البطاقة التمويلية، أم من دعم السلع الأساسية، حتى ولو وافق البنك الدولي على مشروع القرض الذي وقّع وزير المال قبل أيام على محضر التفاوض بشأنه مع الصندوق، وسيكون دفع حصة الدولة من الدعم، وكالعادة، من أموال المواطنين، وبهدف وقف غضب المواطنين! بما ينطبق عليه قول المتنبي عن «دولة كافور بني اخشيد»: «يأكل من زادي ويمسكني لكي يقال عظيم القدر مقصود»! وفي سياسة اضطراب وتعثر وتردد تنتقل من فشل الى فشل.

فبعد دعم يومي بـ12,2 مليون دولار ذهب منه 2,4 مليون دولار الى الفقراء و9,8 مليون الى التجار والأجانب والوسطاء، «اكتشفت» الدولة أخيرا صيغة بديلة في البطاقة التموينية أو التمويلية المباشرة للأسر اللبنانية (٥٠% فقراء و٢٥% تحت خط الفقر و٢٥% الأقل فقرا) بما يوازي  1,4 مليار دولار سنويا بكميات تطبع من الليرات اللبنانية وتزداد انتشارا في التداول، (حيث الفائض المطبوع من «عملة الورق»، حسب قانون Gresham Law، يطرد العملة المسكوكة بالذهب). وهي في حال لبنان «الليرات التضخمية» المسماة في قانون «غراشام» بالعملة «الرديئة» التي تطرد أو تنقل الدولار من سوق التداول  الى خزائن المدخرين، فيرتفع سعره  وترتفع معه أسعار المعيشة ويصبح حال بطاقات التموين أو التمويل حال المستجير من الرمضاء بالنار. 

والدليل...

في نهاية ٢٠١٩ بلغ النقد المتداول  ٩٨١٨ مليار ليرة، وكان سعر الدولار ٢٠٩٠ ليرة. وفي نهاية تشرين الاول من هذا العام بلغ ٢٤٢٥١ مليار ليرة وارتفع سعر الدولار الى ٧٥٠٠ ليرة، وواصل الارتفاع حتى بلغ امس ٨٥٠٠ ليرة (بعد أن كسر حاجز الـ٩٠٠٠ ليرة). وهكذا كلما ازدادت كميات النقد المتداول ارتفع الدولار وارتفعت معه أكلاف المعيشة أكثر فأكثر...

صحيح ان دولا عدة في العالم من أميركا الى الصين وروسيا الى أوروبا الى تركيا، تسير على سياسة الدعم لكنها تدعم الانتاج وضمن خطة انمائية وتصديرية تجلب العملات الصعبة وتزيد من فرص العمل. في حين أن الجزء الأكبر من الدعم في لبنان يذهب للاستيراد الاستهلاكي ويستنزف العملات الصعبة ويزيد في البطالة، ودون خطة اقتصادية انمائية تصديرية في غيابها سيزداد فقراء لبنان فقرا وطبقته الوسطى انحدارا وانهيارا، حيث بات العوز والحاجة يطالان أكثرية السكان. وبانتظار حكومات ميؤوس منها في دولة هاجسها الأول والأخير ليس تنمية الامكانات وزيادة الامكانيات انما التحضير لـ «خصخصة مرتجلة متهورة» للموجودات والممتلكات أو بيعها بأبخس الأسعار وأقل العائدات.

وحتى الخصخصة التي لن تستجلب في المعدلات الحالية لللأسعار وفي وضع الدولة اللبنانية - المصنفة دوليا «دولة فاشلة» Failed State - أكثر من ٤٠ مليار دولار تبقى أقل من «الفجوة المالية». في ظل نظام مشتريات فاسد وبلا رقابة مالية وفي عروض ومناقصات لجان نيابية وغير نيابية تعرقلها كالعادة تجاذبات سياسية وفئوية على مدى سنوات طوال ليس من السهل أن نعرف منذ الآن كيف والى أين ستسير الأمور في غمرة الأوضاع السياسية المحلية والاقليمية والدولية، الأمر الذي يحتاج الى حلول أكبر سرعة وأكثر فعالية. وإلا: أمام التراجع المتواصل في واردات الدولة، لن يبقى كمصدر تمويل وكالعادة سوى الاحتياطيات «المركزية» التي يتطلع إليها الجميع  للدعم الآن، وعلى غرار العادة المتبعة من زمان يوم كان الماء في الخزان...