بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 أيار 2020 12:01ص لبنان في مفاوضات صندوق النقد الدولي القروض للمشكلة الاجتماعية أم للطبقة السياسية؟!

حجم الخط
تنطلق هذا الأسبوع الجولة الأولى من المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي، وفي جعبة الصندوق المعطيات المتوافرة من خلال التقرير الذي أصدره أخيراً، ومنها توقّعه انكماش الناتج المحلي الإجمالي اللبناني 12%، وازدياد مشاكل لبنان المالية والاقتصادية، بسبب تهديدات فيروس كورنا، وتباطؤ تدفّق رؤوس الأموال وسط اندلاع احتجاجات ضد النخبة الحاكمة، كما في تقرير الصندوق الدولي، الذي سبق الترجيحات القائلة عن تراجع احتمال توافر نفط وغاز في البئر رقم (4)، لا سيما بعد إعلان الوزير السابق سليمان فرنجية في موتمره الصحفي أمس عن عدم وجود نفط وغاز!

وفي غمرة البحث عن قروض، كم تشبه حالة الحكومة اللبنانية الآن، وهي على أبواب الصندوق، حالة الحكومة اليونانية عندما أعلن رئيسها جورج باباندريو قبل عشر سنوات، عن أنّ: «أي بلد آخر لن يدفع ديوننا عنّا.. وإذا لم يعد بإمكاننا الاقتراض، وأفلست بلادنا، فإنّ أوّل الضحايا سيكونون المواطنين الأكثر حاجة واحتجاجاً»، وكان ذلك يوم بلغ الدين العام اليوناني وعجز الموازنة اليونانية بالمقارنة نسبياً مع ما بلغه الدين العام اللبناني وعجز الموازنة اللبنانية الآن، ولكن مع فارق مهم. 

ففيما القروض التي حصلت عليها اليونان اتجهت لحل المشكلات المالية والاجتماعية، لن تذهب القروض التي قد يحصل عليها لبنان في هذا الاتجاه، بل ستأخذ طريقها كالعادة الى طاقم النظام السياسي نفسه الذي كان هو سبب المشكلة وأوصل البلاد أخيرا الى حد الانهيار. 

واليوم في المقترحات المُقدَّمة في خطة الإنقاذ الحكومية ذاتها، مشكلة اجتماعية، فكيف إذا أُضيف اليها من شروط الصندوق الدولي ما يحوّلها الى كارثة!

 وبدءاً من الأجور التي تجمّدها الخطة، والتي لم تسلم فقط من انهيار قوّتها الشرائية بنسبة 50% حتى الآن، ولن تسلم فقط من عدوى التضخّم المتزايد على مدى السنوات الخمس المقبلة، وإنّما سيلحق بها أيضاً وباء الضرائب والرسوم المُضافة، بما يخفّض أكثر فأكثر قوّتها الشرائية الى الحضيض.. وهذا قبل أنْ يُضيف اليها الصندوق الدولي أيضاً في ما بعد ضغوطات التقشّف ووقف الدعم وإلغاء المكتسبات والخدمات الاجتماعية وتعويضات التقاعد وفُرَص العمل في القطاع العام، وبما لن يؤسّس فقط لجيش كبير من البطالة والفقر والجوع، وإنما أيضاً جيش الثورة، أو جيوش الفوضى، وهو الاحتمال الأكبر والأشد مضاضة وشراسة.

مقارنة مع الانتداب الأجنبي

 وهو احتمال، كان الانتداب الأجنبي على لبنان أكثر وعياً وحكمة وبراعة في تجنّبه، فيوم تهدّد الجوع لبنان في أزمة القمح الشهيرة 1941- 1942، واستغل التجّار وكبار المزارعين الأزمة بتخزين القمح لبيعه لاحقاً بسعر أعلى، بادر الجنرال البريطاني «سبيرز» إلى مُحاربة جشع المحتكرين بشراء القمح مباشرة من المزارعين بالدفع نقداً وعدّاً، وأنشأ مكتب القمح الذي قضى على المبيعات في السوق السوداء، وأوقف عمليات تهريب القمح إلى تركيا، ونفي التجار المخالفين والمهرّبين إلى جزيرة «قمران» على البحر الأحمر. 

كما زار «سبيرز» رئيس الوزراء السوري حسني البرازي، الذي كان صاحب أراضٍ زراعية شاسعة، وأبلغه بأنّه إذا لم يسلم الحصة المتوجّبة عليه من القمح لمنطقته، سيكون أوّل مَنْ ينفيه إلى جزيرة «قمران»!، وطلب إليه أنْ يرافقه في عملية تفتيش واسعة بصحبة الجنرال «كاترو»، الذي كان يومها ممثّل حكومة «فرنسا الحرّة» في لبنان، للاطلاع على وضع إنتاج القمح في سوريا ولبنان، والتأكد من أنّ الكميات الكافية من القمح تصل إلى الأهالي في كل المناطق، ما أدّى يومها الى نتائج مذهلة، حيث تدفّقت الغلال لدرجة تفوق قدرة مكتب القمح على توضيب المحاصيل.

 وهذا كان زمان الانتداب الأجنبي، فهل يمكن اليوم في زمان الاستقلال الوطني، وفي ظل حكومة، الإنقاذ توجيه التهديد نفسه وتنفيذه بالنفي أو بالسجن أو بأي عقاب لأي رئيس أو وزير أو أي مسؤول كبير أو صغير أو أي تاجر أو فاجر أو أي شخص من مرتكبي الكبائر؟!