بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 كانون الأول 2021 12:01ص لجم الدولار لا تكفيه «منصة صيرفة» وملاحقات قضائية

حجم الخط
أمام مواصلة الليرة اللبنانية إنهيارها المتسارع، وبين سعر الدولار في السوق الموازية وسعره على منصة «صيرفة» إختار مصرف لبنان سعر «المنصة» ووصفه في بيان رسمي بأنه «السعر الواقعي للدولار مقابل الليرة» وواصفا «صيرفة» بأنها «المنصة الوحيدة التي تعلن عن أسعار وعن حجم العمليات التي أدّت إلى هذه الأسعار» وأن حركة التداول خارج المنصة «لا تعبّر عن واقع السوق وحجمه الحقيقي» بل هي «تطبيقات مشبوهة وراءها مصالح منها سياسية ومنها تجارية» كما وصفها، «مشيرا إلى مساعي السلطات القضائية والأمنية ضبط هذه التطبيقات، وإلغاؤها من شبكاتها لما لها من ضرر على لبنان، والطلب إليها أن تنشر السعر الرسمي وسعر «صيرفة» فقط.

والإنطباع الأول عن مضمون البيان أنه لو كان يمكن ضبط سعر الدولار بقبضة أمنية وقضائية لكانت كل الدول التي تمسك بشدّة بأمنها وقضائها نجحت في لجم إرتفاع سعر الدولار، وهذا لم يحصل للحد من إنهيار الليرة السورية ولا من انهيار البوليفار الفنزويلي ولا أحيانا في انخفاض الروبل الروسي، وحيث لا منصة في هذه البلدان ذات الاقتصاد الموجّه ولا حتى في البلدان ذات الاقتصاد الحر أمكن لأي «منصة» أن تلجم أي عملات أجنبية عن اجتياح العملة الوطنية. بل كانت حركة السوق هي التي تقرر السعر بكل ما يكتنفها من مختلف العوامل الطبيعية والنقدية والمالية والاقتصادية والأمنية والإجتماعية وخصوصا حجم الثقة العامة بالنظام السياسي والمصرفي إلى جانب عناصر أخرى نفسية ورهانات مستقبلية على البلد ومقوماته ومدى قدرته على الصمود في وجه التطورات والتحديات... فهل يمكن اختصار كل هذه العوامل والتغيّرات بـ«منصة» صيرفية رسمية تقرر سعر الدولار؟ أم أن الوقائع اليومية بكل عناصرها وتفاصيلها أكبر بكثير وأشدّ تعقيدا من أن تعبّر عنها قرارات وتعاميم رسمية غالبا ما تتجاهلها حركة الأسواق التي تبقى رهينة ما تتعرّض له كل يوم وأحيانا كل لحظة من التأثيرات الداخلية والخارجية.

وحتى على سبيل الإفتراض أن حركة التداول في السوق الموازية في لبنان في جزء منها «تشوّهات» و«تطبيقات»، والسعر الحقيقي للدولار أقل مما يتداول به في هذه السوق، فإن هذا لا يعني ان السعر الحقيقي الفعلي هو على الجانب الآخر على «منصة» رسمية لا تعبّر سوى عن ذاتها ولا تعكس بالضرورة حركة العرض والطلب الحقيقية. ثم إذا كان بيان مصرف لبنان يشكو من «تطبيقات مشبوهة» على شبكة الإنترنت تؤدي إلى إرتفاع سعر الدولار بشكل اصطناعي، فهل عساه يشكو أيضا من تقارير عالمية كان منها قبل نحو عامين تقرير بنك «أوف أميركا ميريل لينش» بأن سعر الدولار سيصل الى نحو ٤٥ ألف ليرة لبنانية أو إلى تقديرات صدرت أخيرا عن خبراء ومستشارين بأن قيامة لبنان من محنته الحاضرة تحتاج إلى نحو ٧٥ مليار دولار لإعادة تأهيل قطاعه المصرفي ومصرفه المركزي وسد عجز موازنة قطاعه العام وتنشيط قطاعه الخاص وتوفير الحد الأدنى من المستوى المطلوب للبنية التحتية لإجتذاب الإستثمارات الداخلية والخارجية، وهو بالكاد يتوافر لديه ٢٠% منها والباقي مع حاجته المتواصلة لدولارات الإستيرادات من أغذية وأدوية ومحروقات وسواها، تلقي بعبئها الثقيل على الليرة الوطنية وتدفع سعر صرف الدولار إلى مستويات يصعب الحد منها بمنصة رسمية أو تعاميم وقرارات إدارية أو حتى بملاحقات أمنية وقضائية بل تحتاج إلى إصلاحات أساسية في بنية النظام السياسي ونهجه الاقتصادي لا يمكن دونها لجم الدولار والحد من التضخم الجامح والإرتفاع الجنوني في الأسعار.