بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 آذار 2021 12:01ص لقاءات «العمالي» و«الهيئات» حماية العامل ومنع الاحتكارات

حجم الخط
اللقاءات بين الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية تجمع عمالا بأجور تجف وتتآكل، ومؤسسات كبرى ومتوسطة بخسارة تزداد أو أرباحا تتناقص، فيما الأكثرية الساحقة من شعب لبنان خارج «الهيئات» و«الاتحادات» في مهن وحرف تندثر، ودكاكين وحوانيت تختفي، ومئات آلاف من عاطلين عن العمل ينضم إليهم كل يوم عمال سُرّحوا وباتوا بلا رواتب وأجور، أو شبه عمال بـ (المقطوع) أو (القطعة) أو (الساعة) أو (المياومة) أو «التعاقد المؤقت» أو بعمولات شحيحة من (حسابات المتاجرة على قاعدة الربح والخسارة). وهؤلاء جميعا خارج التصنيف ليس لديهم أي ضمانات ولا يصلهم أي زيادات أو مكتسبات.

ومقابل هذا التنوّع في الـ «تركيبة العمالية»، هناك ما هو أكثر تنوّعا وتعقّدا في «تركيبة» المؤسسات في بلد مثل لبنان تحكمه احتكارات تزداد تمركزا وتسلّطا بقدر ما تطرد من السوق مؤسسات متوسطة أو صغرى لا تتحمّل زيادات الأجور أو أكلاف تقنيات حديثة مستجدة تتحمّلها الاحتكارات الكبرى التي بعد أن تستأثر بـ «لعبة» العرض والطلب تفرض منطق «سوقها الخاص» على الجميع.

كما ان زيادات الأجورالتي تتحمّلها قطاعات مزدهرة في الداخل أو لديها أسواق في الخارج، قد لا تتحمّلها قطاعات أخرى على وشك الانهيار أو الهلاك ولم يعد لطبيعة منتجاتها أو خدماتها أسواق لا في الداخل ولا في الخارج، فتضطر عندها إما الى صرف عمال أو إنقاص ساعات العمل أو استخدام عمالة دون مهارات كافية تقبل بالحد الأدنى للأجور، أو الى خفض نوعية ومستوى الانتاج وعدم الالتزام بالمعايير والمواصفات المطلوبة، ودائما على حساب المستهلك، أو غالبا بمثل ما يحصل الآن، الاقفال والانسحاب وترك السوق فريسة للاحتكارات الكبرى. كما على سبيل المثال في الولايات المتحدة حيث أظهرت إحدى الدراسات أنه عندما تزايد الاعتماد على التقنيات لدى حوالي ١٢ ألف شركة في قطاع معين، انسحبت من السوق أكثرية الشركات العاملة في القطاع بسبب عدم قدرتها لا على تحمّل أكلاف هذه التقنيات ولا لأي زيادات في الأجور، ولم يبقَ في القطاع سوى حوالي ٥٠ شركة أحكمت قبضتها على السوق منها ٣ شركات سيطرت على أكثر من ٩٥% من قطاع السيارات و٨ شركات على أكثر من ٨٠% من قطاع التعدين، وشركة واحدة على كامل قطاع المنتجات الكيماوية. والأمر نفسه في فرنسا حيث ٤ شركات فقط سيطرت على ٩٥% من قطاع عربات السياحة وشركة واحدة على ٩٥% من مجمع الأصبغة وشركة واحدة على كل صناعة الألمنيوم..

وهكذا يفترض في لبنان أن يواكب هذا الموضوع جهد مشترك من الهيئات الاقتصادية والاتحادات العمالية، لدراسات موضوعية بإحصاءات دقيقة عن أحوال وخصوصية وظروف كل قطاع بحيث تحمي فيه معيشة وكرامة «الناطور» ويضمن تعدد الكروم ويمنع التمركز في دالية واحدة تحتكر كل العنب!

فهل يعقل مثلا في هذه الظروف الاستثنائية المساواة في فرض زيادات الأجور على قطاعات من نوع يزدهر ويزداد الطلب عليه وقادر على التصدير والحصول على ما يسمّى Fresh دولار يرتفع باستمرار على سبيل المثال كصادرات الأحجار الكريمة وشبه الكريمة والمعادن الثمينة التي تشكّل مع صادرات الأثاث والأجهزة والمعدات الكهربائية حوالي نصف مجموع صادرات لبنان، وقطاعات أخرى مثل بعض أنواع الزراعات أو الصناعات المهددة بالإغراق من مستوردات تلاقي من دولها الدعم الدائم والتسليف الميسر، أو كصناعة الكتاب التي يكاد الانترنت وتقنيات الـ «ديجيتال» تقضي عليها أو على ما يشبهها من القطاعات التقليدية التي تعاني الركود أو الكساد أو تقف على شفير الإفلاس، بحيث يقتضي أن تكون العلاقات النقابية مع كل قطاع محدد منها حوارات معززة بالدراسات والاحصاءات بعيدا عن «شعبوية» السياسات والشعارات!

أليس هذا ما يحصل مثلا في قطاع الصيدلة الذي تخصّه الدولة بأن لا تسمح برخصة افتتاح صيدلية جديدة على مسافة قريبة من صيدلية قائمة، أو كما يحصل مثلا في العديد من دول أوروبا حيث قبل إعطاء تراخيص جديدة في قطاعات محددة في مكان تتواجد فيه مهن مماثلة، تعلم السلطة المحلية أصحاب المهن القائمة في المكان نفسه عن المشروع المقترح كي تستمع الى أي اعتراضات جديّة تخضع لحوارات معززة بالدراسات والاحصاءات بعيداعن ارتجالية المواقف و«شعبوية» الشعارات.