بعض الشبه بين الأمس واليوم، رغم الاختلاف في التفاصيل والمعطيات، فلقاءات وزير المال امس مع سفراء فرنسا وسويسرا واليابان واستراليا والنروج والمنسق العام للأمم المتحدة في لبنان، تعيد الى الأذهان «حالة الطوارىء المالية» التي شهدها لبنان خلال حرب الـ17 عاما يوم كان البنك المركزي في عهدة الحاكم الدكتور ادمون نعيم، ووصلت الاحتياطيات النقدية يومها الى رقم متدنٍ قياسي (أقل من 50 مليون دولار!) ما دفع نعيم الى تكليف فريق برئاسة النائب الأول لحاكم مصرف لبنان الدكتور حسين كنعان، الذهاب الى واشنطن للقاء مسؤولي الخزانة الأميركية والبحث معهم بامكانية دعم لبنان بـ«اسعاف فوري» بما يتراوح بين 50 و100 مليون دولار، وكان جواب المسؤولين الأميركيين يومها أنه ليس لدى الادارة الأميركية «آلية» لتحقيق مثل هذا الطلب الفوري.
وعاد الوفد المصرفي من الولايات المتحدة دون أي نتيجة ايجابية ما أوجد نوعاً من الهلع في الأسواق المالية واضطرباً في سوق الصرف حصلت بعدها ظاهرة لم تكن متوقعة، حيث ازداد الطلب وبصورة مفاجئة على شراء سندات الخزينة اللبنانية من قبل دول الخليج ولا سيما المملكة السعودية، الأمر الذي صحح جزءا من الاختلالات النقدية لدى البنك المركزي.
ويبدو ان هذا النوع من المفاجآت الفورية أو التدابير الاستباقية مثل مؤتمرات «باريس» و»سيدر» هي التي تجعل العديد من اللبنانيين يرددون دائماً مقولة ان لبنان «لن يترك» و«لن يغرق» المجتمع الدولي (والعربي) لا بد في النهاية أن يسارع الى انقاذ لبنان من محنته المالية الحاضرة.. لولا ان الفارق كبير بين الأمس واليوم، فقد كان لبنان يومها في حرب ضروس استمرت 17 عاماً، وكان لبنان لا يرزح تحت دين عام هائل قبل ان يصبح فيما بعد الدولة الثالثة في العالم من حيث نسبة الدين الى الناتج المحلي الإجمالي. كما ان الظروف العربية والاقليمية تختلف اليوم عما كانت عليه الأمس في طبيعة أو نوعية الانقسامات السياسية الحالية التي يعيشها لبنان، ومنها الضغوطات الأميركية والتهديدات بحظر نقدي وبعقوبات أصابت بعض أطراف الجهاز المصرفي اللبناني.
كما ان موجودات القطاع المصرفي وقروض المصارف على القطاعين العام والخاص رغم وصول الاحتياطيات النقدية يومها الى الحد الادنى، لا تصل فيي حينه الى «الحدود الخطيرة» التي وصلت اليها اليوم ومع الدعوات الحالية الى اصلاحات مالية، وتدابير نقدية، لتصحيح الوضع بحلول ادارية- مالية-ح دولية عبر صندوق النقد سواء باستشارات أو.. قروض لم تظهر بعد ملامحها الأولى، وفي غياب «وفاق» اقتصادي، بين محذر من مغبة ادخال صندوق النقد الدولي بكل شروطه وموجباته، الى الداخل والنقدي والمالي اللبناني ومحذر من تداعيات كبرى في حال ان لبنان لم يسدد ما عليه من موجبات بكل ما يعنيه ذلك من تأثيرات سلبية على سمعته المالية ودرجة تصنيفه من قبل الوكالات الدولية، وبانتظار نتائج أعمال لجنة أوكل اليها متابعة الموضوع بما يعيد الى الأذهان القول المأثور لونستون تشرشل: «إذا أردت قتل فكرة ما أسس لها لجنة، وأن أفضل اللجان الثلاثة، وأفضل اللجان الثلاثية التي يغيب عن اجتماعاتها ثلاثة أعضاء بصورة دائمة»!
وسواء صدقت مقولة تشرشل أم لم تصدق عن اللجنة المكلفة متابعة ملف استحقاقات القروض، يبقى قول آخر مأثور لوزير خارجية المانيا السابق WESTER WELLE «أن أسوأ دولة في العالم هي التي تعيش على القروض، وان القروض للانفاق أو حتى للاستثمار لا تؤدي في النهاية الى نمو مستدام، بل الى ما يسميه الوزير الالماني «خفقة الروح» الأخيرة التي تسبق الموت.