بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 كانون الثاني 2021 06:49ص لماذا فشل «التكنوقراط» في إنقاذ الاقتصاد؟!

حجم الخط
إذا كانت حكومة «تكنوقراط» ذات اختصاص في علوم وأبحاث ودراسات وشهادات ومع ذلك هدرت دون جدوى وعلى غير معرفة ولا هدى، الجزء الأكبر من دعم بـ٧ مليارات دولار كان يفترض أن تذهب لأفواه الجياع والفقراء والمعوزين فامتلأت بها بطون الأغنياء والموسرين وشاحنات قوافل المهرّبين، فكيف لو كانت الحكومة ليست تكنوقراط ولا اختصاصات ولا شهادات؟

الجواب على السؤال هو الفارق بين التخصصات الأكاديمية والخبرات العملية. والدليل انه في موضوع الاقتصاد قال أحد أكبر اقتصاديي االقرن العشرين «جون كينز» ان كل شهادات الاختصاصيين في هذا العلم لا تنفع وقد تكون مصدر ضرر وأذى إذا لم تترافق مع معرفة كافية في مجالات عدة منها تاريخ وجغرافية وبيئة البلد الذي يطرحون فيه نظرياتهم، ونفسية الشعب الذي يقيمون معه ويقترحون عليه أفكارهم، وأن يكون لديهم كما قال، إلمام معرفي كافٍ بعلوم النفس والمنطق والرياضيات ومضامين اللغة والفلسفة والفن... وإضافة الى كل هذه المعارف بما في ذلك كما قال «الحظ الكافي»! في الوصول الى الأهداف الاقتصادية المرجوة. وحتى «كينز» نفسه كان متجليا في علوم الرياضيات أكثر من علوم الاقتصاد، الا ان سبب نجاحه في قلب نظريات عصره الاقتصادية رأسا على عقب وانقاذ القارة الأوروبية من الركود والكساد والبطالة واعادة الاقتصاد الى سكة الانتاج، هو فكره الوقاد وخبراته العملية ومنطقه الرياضي، الى جانب ما أمكنه من اختيار الملائم من النظريات والنماذج الاقتصادية المناسبة للأهداف الاجتماعية التي سعى إليها ونجح في تحقيقها، قبل أن يساء فيما بعد فهمها دون الأخذ بالاعتبار العوامل والشروط التي ينبغي في ضوئها تقليص أو توسيع المدى الذي يجري فيه تطبيقها. وفي كتابه الشهير «النظرية العامة في الاقتصاد» الذي ترجم لأكثر من ٥٠ لغة يوجّه «كينز» انتقادا شديدا الى ما أسماه «النظريات الكلاسيكية التي ينظر إليها أصحابها على انها «بديهيات» و«تحصيل حاصل» في حين انها لا تطبق إلا على «حالة خاصة» محددة كما قال، ولا يمكن تعميمها على مختلف «الحالات العامة» خصوصا أن «الحالة الخاصة» التي تطبق عليها لا علاقة لها بخصائص المجتمع الذي يعيشون ونعيش فيه في الواقع. وبما يؤدي إلى نتائج مضللة وسيئة الأثر» على الاقتصاد والمجتمع.

فماذا عن لبنان؟

... وفي غمرة الأوضاع الاقتصادية - الاجتماعية الاستثنائية التي يمرُّ بها لبنان كم نحن بحاجة ماسّة اليوم الى الانتقال من وصفات نظرية مستوردة مركبة عن خصائص ومكونات بلدان أجنبية أو من حفريات نظرية حجرية FOSSILS الى ابتكار وابتداع «حلول لبنانية» تأخذ بالاعتبار إمكانات البلد وثرواته الطبيعية والمناخية والسكانية والعوامل الجغرافية وظروفه السياسية والجيو - سياسية والبيئية والثقافية، حيث ليس هناك «مجتمع» بالمطلق تطبق عليه نظريات من فوق بطرق اصطناعية، بل «مجتمع محدد» بشروط وقيود وديناميكيات معينة تتداخل لفهمها أنواع متعددة من العلوم والمعارف والخبرات، ولدرجة ربما يمكن معها في الاقتصاد تطبيق مقولة كليمنصو عن الحرب بانها «مسألة خطيرة لا يجوز تركها للعسكريين»، بأن الاقتصاد مسألة ليست أقل خطورة لا يجوز تركها للاقتصاديين»، أو «للاقتصاديين وحدهم على الأقل»، كما حصل في كارثة الـ 7 مليارات التي هدرت بقلّة الخبرة وضآلة الدراية.. وربما بقصد وتصميم؟!