بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيلول 2020 12:00ص ماذا إذا لم تتألف وتعرقلت أو تألّفت وتعثّرت؟!

حجم الخط
إذا لم تتألف الحكومة العتيدة، أو تعرقلت مسيرتها فإن الدين العام المعلن، إذا أضفنا إليه فواتير الضمان الاجتماعي والمستشفيات والمقاولات والتزامات البنك المركزي للمصارف، قد يصل عندها الى النسبة الأعلى في العالم بامتياز بالمقارنة مع الناتج المحلي الاجمالي الذي تراجع خلال عام واحد من حوالي ٥٥ مليار دولار الى أقل من ٤٠ مليار دولار.

وإذا تعثرت الحكومة العتيدة في الإصلاح بدءا من مكافحة الفساد والتركيز على اقتصاد الانتاج والإبداع والابتكار والمنافسة في الصناعة والزراعة والخدمات وتكنولوجيا المعرفة وتطوير قطاع التعليم والصحة وتشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة، بما يخفض البطالة والفقر ويوقف الظلم والظلام في «بلد الاشعاع والنور»! فسوف لن تكفي عندها كل عائدات الغاز والنفط، لتسديد هذا الدين الذي يرخي بكلكله على هذا الجيل وأجيال لم تولد بعد.

بل إذا تسربت العائدات كالعادة، الى «مزاريب» الفساد السياسي والطائفي، سيواصل الدين العام ارتفاعه باستمرار بما لا يكفي لتسديده كل ممتلكات الدولة من مؤسسات عامة وامتيازات وذهب وعقارات، وتتبخر عندها كل أحلام النفط والغاز على طريقة الأحلام التي عاشتها مصر عند افتتاح قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل يوم تعاظم الدين العام وسادت الرشوات والمحسوبيات واشترى مهندس القناة فرناندو دولسيبس ولاء عشرات الوزراء والعمدة وكبار الموظفين في فضائح متواصلة لوّثت تاريخ الجمهورية الثالثة في فرنسا.

وكان من نتائج ارتفاع الدين العام يومها من ٣ ملايين جنيه الى ١٠٠ مليون جنيه ان امتنعت الدولة عن الدفع وأعلنت إفلاسها ورهنت مديريات ضخمة من مساحات مصر وصرفت عشرات الآلاف من الموظفين وضباط الجيش.

وبمثل ما ترضخ الطبقة السياسية اللبنانية اللبنانية اليوم للـمداخلات الأجنبية قبلت مصر الخديوية الرازحة تحت ضغط الديون الرقابة الدولية وحكومة وزير الأشغال فيها فرنسي، ووزير المالية انكليزي واضطرت الى بيع أسهم قناة السويس وتحويل ٩٠% من عائداتها للأجانب وعلى مدى ٨٠ سنة قبل أن يؤممها جمال عبد الناصر ١٠٠% في العام ١٩٥٦. في ثورة ولدت من انتفاضات شعبية متلاحقة (بمثل ما نشهده اليوم في لبنان) تنبأت بها في العام ١٩٣٥ في افتتاحية صحيفة «أخبار اليوم» قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ بـ١٧ عاما تضمن وصفا للنقمة الشعبية العارمة التي كانت تتصاعد في مصر وكأنها تصف مطالب الحراك الشعبي الذي يسود لبنان الآن، في مقال جاء فيه قبل 85 عاماً من الآن:

«الشعب يريد تطهيرا كاملا. فلا يجوز أن تقصر يد العدالة عن الذين أثروا من الاتجار في قوت الشعب، بل يجب أن يعلم الناس أن النظام الديموقراطي لا يسمح برشوة أو فساد. ويجب أن يعلم الناس أن الرجل الذي يسرق مليون جنيه لا يفكر في العقاب، وأن الرجل الذي يسرق قرشا واحدا يقدم الى القضاء! وأن الشعب يريد اصلاحا حقيقيا كاملا لا مشروعات اصلاحية على الورق، ويريد أن يتقشف الحكام ليسعد المحكومون، وان كل مليم ينفق في الترف والبذخ والكماليات، يقتطع من قوت الفقراء والجائعين.. وان الشعب يريد اصلاحا تضيق به المساواة بين الطبقات، فنأخذ من الكبير لنعطي الصغير، ونقتطع من الغني لنطعم الفقير، ونجعل لكل مواطن آملا في حياة حرة جديدة، لا محسوبية فيها ولا رشوة ولا فساد».

صورة حية شبيهة بالغضب الشعبي في لبنان الذي طالما قيل عنه بالأمس كما اليوم ان الحالة الطائفية حاجز كبير بينه وبين الانتفاضات. إلا ان تاريخ لبنان القريب يدل على انها كانت خارج منظومة الطوائف. فيوم أدّت مشاريع الأمير بشير الثاني الى زيادة الضرائب ازدادت النقمة الشعبية على الأمير الشهابي وعلى جباة ضرائبه، الى ان انفجرت في عام ١٨٢٠ في ثورة انطلياس المعروفة بـ «العامية» أي ثورة عامة الناس على اختلاف طوائفهم (بمثل ما نشهده الآن من الانتفاضة الشعبية في لبنان الآن) حتى أن الأمير بشير اضطر الى أن يغادر البلاد. وقبلها بـ٧٠ عاما ثارت جبة بشري على اقطاعيين حكموها منذ العام ١٦٥٤ اضطروا الى الخروج من المنطقة تحت ضغط الانتفاضة ضد حكم استمر ١٠٠ عام، وصولا الى انتفاضة الفلاحين في جبل لبنان للتحرر من ربقة الاقطاع قادها طانيوس شاهين، بيطار من عامة الناس أعلن «حكومة» فلاحين هرب على أثرها عدد كبير من رجال الاقطاع و»الأعيان» الى مناطق أخرى من لبنان.

والتاريخ كثيرا ما يعيد نفسه، وليس ما يمنع هذه العودة في لبنان الآن إذا لم يقتدِ السياسيون بأنه: عندما يأتي القدر لا ينفع الحذر.