في ذكرى رحيله قبل أكثر من ٧ سنوات، من المفيد إستعادة رؤيته الاقتصادية عن لبنان. فقد كان لدى محمد شطح، دكتور الاقتصاد خرّيج جامعة تكساس وسفير لبنان في الولايات المتحدة وخبير صندوق النقد والعلاقات المالية والاقتصادية الدولية ووزير المال المتواضع والقريب الى القلب والى الناس، خلال فترات الغداء التي نلتقيه بها على طاولة مطعم بسيط في رأس شارع المعرض وسط بيروت.. مخزون ثقافة اقتصادية علمية وعملية، فيما يلي البعض منها في لقاء لي معه في مكتبه في وزارة المال قبل ١٢ عاما:
عن الفرصة الضائعة: «ان لبنان بلد الفرص الضائعة، وان آلاف الدولارات ضاعت على كل أسرة لبنانية لعدم تمكّن الدولة الاستفادة من الطفرات النفطية على مدى السنين الماضية، وان لبنان الذي حقق نموا بـ ٤% في العام ٢٠٠٧ (بعد نمو «صفر» في العام ٢٠٠٦) وبرغم كل الأزمات السياسية والأمنية، توافرت لديه فرص نادرة كان يمكن أن تترجم الى معدلات مرتفعة جدا قد تصل الى ٧ أو ٨ وربما الى ١٠% وبرغم كل الأزمات السياسية والأمنية، شرط توافر مجموعة عوامل أهملتها الدولة منها سلطة القانون والسياسة المحافظة والاجراءات الوقائية التي تحمي المؤسسات ولا سيما المؤسسات المصرفية، وتوفير الجانب الهيكلي والإداري للاقتصاد الذي ما زال ضعيفا في لبنان على غرار الضعف في البنية التحتية من كهرباء وماء وتكنولوجيا اتصالات حديثة وما يرتبط بها من قطاعات الخدمات، بما يشكّل العناصر الأساسية لإنطلاقة لبنان في دولة تحمي المواطن بالأنظمة والقوانين وتقرّب المسافة بين المناطق النائية عبر التغلّب على الفروقات الاجتماعية والاقتصادية وتوفير البيئة الاجتماعية والمناطقية الملائمة للاقتصاد والتي هي جزء لا يتجزأ من العملية الاقتصادية السليمة وأهمها ولا سيما ضرورة تحويل الأدوات الاستثمارية والنقدية والمالية المركبة التي تصبح معرّضة خلال الأزمات للخسائر والمخاطر، باتجاه استثمارات قطاعية ذات طبيعة الاستثمار المباشر في المجالات المنتجة. فالأزمات يمكن تجنّبها بقدر ما نعيد تقييم التوجهات التي درجت عليها هذه الاستثمارات التي لم يكن لبنان يستفيد منها بشكل استثمار مباشر في الانتاج الخدماتي والصناعي والزراعي إلا بشكل محدود».
وعن الانماء المتوازن: «ان أي استثمارات مباشرة ترد الى لبنان ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار الانماء المتوازن والشامل لمختلف المناطق لا سيما التي لم يصل إليها الانماء ومنها الشمال والبقاع الشمالي وحيث عدم توافر سلطة القانون والقضاء والأمن في هذه المناطق يشكّل عنصر مخاطر على الاستثمارات العربية والأجنبية وحتى اللبنانية التي بدل الاتجاه الى تلك المناطق تتجه الى قطاعات محددة مثل العقار تقلّ فيها المخاطر عادة بالمقارنة مع باقي القطاعات».
وعن الدين العام: «لا يمكن خفضه بعملية جراحية وإنما بتكبير حجم الاقتصاد وتحقيق المزيد من النمو وبالتالي خفض عجز الموازنة تدريجيا باتجاه إطفاء الدين العام على مراحل. ولكن يبقى المرتكز الأساسي للتنمية تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي وانجاز الاصلاحات الهيكلية والإدارية وقيام الدولة الحديثة. وتحقيق هذه الاصلاحات ليس بالضرورة فقط من أجل تلبية متطلبات الوضع المالي الذي يشهد منذ سنوات طويلة ارتفاع الدين العام المرتفع وعجز الموازنة المتواصل، وإنما أيضا من أجل اجتذاب الرساميل العربية والأجنبية، خصوصا الاستثمارات المباشرة، الى مختلف قطاعات الانتاج الخدماتية والصناعية والزراعية التي توفر المزيد من فرص العمل وإمكانات النمو والتقدّم.
هذا بعض ما في رؤية محمد شطح للخروج من النفق الذي تسير فيه أزمات لبنان الاقتصادية والمالية والاجتماعية المزمنة، وتشخيصها وطرق علاجها. وبعضها كان للماضي والكثير منها يمكن الاستفادة منها لليوم ولغد أفضل.