مهما كانت النتائج التي ستنتهي إليها مبادرة الرئيس ماكرون على الصعيد السياسي الحكومي، وبغض النظر من سيكون المقيم في قصر الأليزيه، فان الاهتمام الفرنسي في لبنان مستمر في زمن تحوّلت النزاعات العالمية من الجزر والمضائق الى النفط والمرافئ. والامتياز الذي حصلت عليه «توتال» الفرنسية في التنقيب عن الغاز والنفط في المياه اللبنانية هو استكمال لـ «حجر الرحى» الاقتصادي - التجاري - الاستراتيجي لفرنسا في الشرق، متمثلا بمرفأ بيروت الذي تتولّى الآن شركة فرنسية مهمة ما نقل ما تركه انفجار ٤ آب من مواد خطرة الى خارج لبنان من ضمن خطة إعادة بناء المرفأ على أسس عصرية في إطار قرض من البنك الدولي، وبرعاية فرنسية، يعود جذورها الى أكثر من ١٦٠ عاما.
ففي العام ١٨٦٠، وقبل ٤ سنوات من توقيع بروتوكول متصرفية جبل لبنان التي كانت فرنسا احدى الدول الأوروبية في إنشائها بالاتفاق مع الدولة العثمانية، أعدّ الضابط Guepratte في البحرية الفرنسية، دراسة عن مرفأ جديد لبيروت فازت شركة فرنسية في العام ١٨٨٨ بامتياز بنائه وإدارته واستثماره برأسمال ٥ ملايين فرنك، حلّت مكان «الشركة الأمبراطورية العثمانية» التي كانت تدير المرفأ القديم ومستودعاته وتجهيزاته والذي تحوّل رصيفه الى ما سمّي فيما بعد «شارع المرسلييز» وسمّي بـ «شارع الرصيف» المكان الذي كان فيه رصيف خان انطون بك على اسم مصري من أصل أرمني انطون مصرليان جمع ثروة طائلة في اسطمبول وتعهد رصيف الخان الذي تميّز بمظهر رشيق بواجهته المفتوحة على البحر وتنقل إليه السلع مباشرة من القوارب الى داخل المستودعات وكان مركز الوكالات البحرية والمصرفية والنشاطات التجارية بالإضافة الى مكاتب البريد والخدمات الإدارية (Histoire de Beyrouth, par Samir Kassir).
كما يأتي تكليف شركة فرنسية الآن بإزالة المستوعبات الخطرة مقدمة للمرحلة التمهيدية بدءا من الدراسات القانونية والاقتصادية والمالية والهندسية في إطار المخطط التوجيهي واستدراج عروض تلاقي اهتمام شركات فرنسية ومرافئ عالمية بإعادة بناء المرفا الذي يُدار الآن من «اللجنة المؤقتة لاستثمار وإدارة مرفا بيروت» التي مضى على تأليفها حتى الآن ٢٠ عاما و»بصورة مؤقتة» تم خلالها انفجار مروّع أودى بحياة المئات وشرّد الآلاف ما زالت التحقيقات حول أهدافه ومسببيه وأسبابه، وبعد شهرا على الانفجار... في «غرفة الانتظار»!