بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 أيلول 2022 12:00ص نسرين مشموشي: رواتب القطاع العام فَقَدتْ 95% من قيمتها والموظف بات غير قادر على تأمين مستوى عيش كريم

حجم الخط
الاهتراء الشامل الذي تشهده الدولة اللبنانية المتهالكة من شلل عارم تتعرض له مؤسساتها وإداراتها التي باتت مفلسة وخدماتها المعدومة وأمنها الاجتماعي والصحي الذي أصبح كارثيا، انعكس بشكل مباشر على أوضاع موظفي القطاع العام بمن فيهم الأجهزة الأمنية، وهم انتقلوا بفعل كل العوامل المذكورة من موقعهم الطبيعي من «الطبقة الوسطى» الى طبقة «الفقراء الجدد» بسبب الأحوال المأساوية التي وصلت إليها دولتهم بين ليلة وضحاها، هذه الطبقة التي باتت مقهورة مسلوبة ذليلة غير قادرة على المكافحة والمواجهة بعدما راهنت على ولائها للدولة التي كانت تعتبرها ضمانتها وملجأها الى أن غدرت الأخيرة بها وباتت عاجزة عن حمايتها، لذلك لم يكن أمامهم إلا رفع الصرخة والضغط على المسؤولين من خلال تنفيذهم لإضراب عن العمل استمر لأشهر عدّة شلّت معه معظم المعاملات الرسمية الى أن استأنفوا عملهم بعد وعود قطعت لهم بتحسين أوضاعهم، ولكن المفارقة هي اعتراف أركان الدولة بالمظلومية التي يتعرض لها هؤلاء الموظفين من خلال تأكيدهم بان لا دولة من دون موظفين في القطاع العام دون تقديم أي حلول عملية لهم.
وللاطّلاع على واقع القطاع العام وأحوال موظفيه تحدثت رئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي لـ«اللواء» فقالت: «من الطبيعي أن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية انعكس سلبا على موظفي القطاع العام الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة الوطنية التي فقدت 95% من قيمتها، وهذا الأمر أثّر بشكل كبير على حياتهم وباتوا غير قادرين على تأمين مستوى عيش كريم، خصوصا ان هناك أعباء إضافية باتت على كاهلهم من استشفاء وطبابة ومنح مدرسية، بإعتبار ان من في الملاك منهم كان يستفيد من تقديمات تعاونية موظفي الدولة، أما الأجراء والمتعاقدين فهم يستفيدون من مؤسسة الضمان ومن بعض الفروقات من التعاونية، ولكن وفي الأوضاع الصعبة التي تعاني منها هاتان المؤسستان كباقي مؤسسات الدولة فهما أصبحتا غير قادرتين على تأمين حقوق هؤلاء الموظفين الذين أصبحت أوضاعهم مأساوية بكل ما للكلمة من معنى».
وأشارت مشموشي الى انه تم اصدار تعميم للإدارات والمؤسسات العامة ولوزارة الداخلية فيما يخص البلديات لمعرفة أعداد الأشخاص الذين وضعوا بالاستيداع أو خارج الملاك، بعد ان أوقف قانون 2019 طلبات الإحالة على التقاعد الى نهاية شهر تموز 2022، فكان اللافت ان الأرقام التي ظهرت ليست كبيرة باستثناء عدد من السيدات طلبن إنهاء خدماتهن بسبب الزواج أو بأن يعملن بدوام نصفي.
وعن التقديمات التي تقدمها الدولة الى الموظفين حاليا، تشير مشموشي الى ان هناك بعض الحوافز قامت الدولة بتقديمها لهم اعترافا منها بالظلم الذي لحقهم لذلك تم إقرار بدل الإنتاجية فقط عن شهري آب وأيلول لتشجيع الموظف على الحضور الى مركز عمله بإنتظار ما سيقرّه مجلس النواب في هذا الخصوص بعد إقرار الموازنة العامة.
وعن نسبة الإناث في القطاع العام تكشف مشموشي عن ان هؤلاء يشكّلن مع السلك الخارجي 43% من موظفي الإدارة العامة والنسبة الأكبر هم في الفئة الرابعة والثالثة لانهم يدخلون الى الإدارة عن طريق مباراة بإعتبار ان للسيدات حماس لإجراء هذه المباراة والدخول الى الوظيفة وهذا الأمر نشهده في السلك القضائي بحيث تشكلن السيدات نسبة كبيرة في هذا السلك.
وعن دور المرأة في المراكز القيادية، تشير رئيسة مجلس الخدمة المدنية الى ان نسبة السيدات في هذه المراكز متدنية جدا ولا تتجاوز 25% بحيث ان عدد المديرات العامات في الإدارة اللبنانية هو 14 مديرة فقط.
وعن أسباب هذه النسبة المتدنية تلفت الى ان القانون لا يحدد نسبة الإناث والذكور في الفئات الأولى والثانية والثالثة بحيث يكون التعييّن عن طريق الاختيار، ولكنها تشير الى ان مجلس الوزراء قال في العام 2010 بوجوب مراعاة تسمية سيدات لترفيعهم الى الفئة الأولى رغم انه من المعروف ان السيدات بطبعهن نظاميات ولديهم إدارة جيدة والمعروف عنهن تحمّلهن والقيام بواجباتهن والعمل بظروف صعبة، ولكن للأسف دائما يحظى الذكور بنسبة تعيينات أعلى من الإناث.
وتشير مشموشي الى ان القطاع العام حاليا يعاني من النقص بسبب قرار وقف التعيينات، لذلك فمن يتقاعد لا يتم تعيين بديلا عنه، وتلفت الى ان في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه فلن يتقدم الى وظائف القطاع العام لا سيدات ولا رجال.
وعن تجربتها كرئيسة مجلس خدمة مدنية، تشير مشموشي انه منذ تسلّمها مهامها في حزيران 2020 مرّ البلد بظروف صعبة نتيجة التدهور الاقتصادي والاجتماعي وجائحة كورونا وانفجار المرفأ، لذلك فإننا نعمل في ظروف غير عادية وبأقصى ما يمكن وبالحد الأدنى، فجميع الموظفين منهكين ويشعرون بالذل ومن لا يزال يعمل هو من منطلق الولاء للإدارة.
وعما إذا ما كانت السيدات في موقع القيادة يتعرّضن للضغوطات السياسية أكثر من الرجال، تؤكد مشموشي انها لم تتعرض لذلك لان هناك احتراما للهيئات الرقابية ولعملها ودورنا إعطاء الرأي وأحيانا يتم الأخذ به وأحيانا أخرى تتم مخالفته في مجلس الوزراء.
وتكشف عن مشاريع يقوم بها مجلس الخدمة المدنية في إطار تطوير العمل واحترام القوانين بما في ذلك وجوب احترام قانون عدم التحرش في مكان العمل وأخلاقيات العمل والمهنة والوظيفة العامة.
{ وللاطّلاع على رأي الموظفين، تقول ملاك د. وهي موظفة في احدى الوزارات لـ«اللواء»: رغم بعض الاغراءات المتواضعة التي قررت الحكومة تقديمها من خلال ما يسمى ببدل إنتاجية عن كل يوم عمل فأنا أفضّل البقاء على الدوام الذي كان معمولا به في السابق أي ثلاثة أيام في الأسبوع لأن المبلغ الذي سأتقاضاه من الإنتاجية لن يعوّض بقائي في المنزل مع طفلتي بحيث لم أعد أستطيع تسجيلها في الحضانة وهي ستبقى مع والدة زوجي في الأيام التي أداوم بها.
أما ليلى ب. التي تعمل في مقر رسمي منذ أكثر من 37 عاما تقول: «فنيت حياتي في هذه الوظيفة كي أضمن مستقبلي بعد إحالتي الى التقاعد لا سيما انني غير متزوجة وليس لديّ مردود مادي سوى راتبي الذي كان يكفيني في السابق علما انني أعيش في المنزل العائلي، ولكن حاليا لم يعد راتبي يكفينا اشتراك الكهرباء وقد خفضت هذا الاشتراك الى ثلاثة «أمبير» كي أتمكن من الاستمرار في تلبية الحد الأدنى من مقومات الحياة وأنا حاليا أعمل بدوام كامل لكي أنال بعض المساعدات الإضافية المقررة كما ان بعض الأهل والأقارب أصبحوا يقدمون لي بعض المساعدات».
بدورها تُعبّر ندى ع. عن غضبها لما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية وانعكاسها على حياة الموظف وتلفت الى انها تعاني من أمراض صحية غير انها لم يعد باستطاعتها زيارة الطبيب الذي أصبحت معاينته تتخطى راتبها لذلك فهي تعض على الجرح.