بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 حزيران 2021 12:10ص نفض الغبار عن مشروع قانون منع الاحتكار لخفض الأسعار

حجم الخط
 في الولايات المتحدة التي تصف نفسها بـ «قلعة الحرية الاقتصادية في العالم» يوجد قانون عمره أكثر من ١١٠ أعوام يدعى Sherman Act يمنع الاحتكار وحماية الوكالات الحصرية والتكتلات التجارية والتروستات الكبرى وكان صدوره سببا في كسر احتكارات شركة النفط Standard Oil في العام ٢٠١١.
وفي بريطانيا التي يحكمها غالبا حزب المحافظين المؤيد لنظام الحرية الاقتصادية وتقليص دور القطاع العام في الحياة العامة، تتولى الدولة مباشرة في إطار الـNHS أو «خدمة الصحة العامة»، شراء ٩٠% من الخدمات والتجهيزات اللازمة للقطاع الصحي.
كما ان الاقتصادي آدم سميث الذي يعتبر كتابه «ثروة الأمم» المرجع الرئيسي لأنصار الاقتصاد الحر في العالم، يصف الاحتكارات الحصرية بـ «مؤامرة على الشعب» ويشير الى تأثير الاحتكارات في السياسات العامة.
وفي لبنان، لم تتخذ حكومة تصريف الأعمال في هذه الظروف الاقتصادية الاستثنائية أي إجراء يشجع المنافسة ويحمي المستهلك بما يمنع أو يحد من الاحتكار بما يؤدي الى خفض الأسعار، بل على العكس قامت الحكومة المستقيلة بسلسلة تجارب دعم ارتجالية استنزفت من احتياطيات العملات الأجنبية أكثر من ٦ مليارات دولار ذهب الجزء الأكبر منها الى عصبة التهريب وتروستات الاحتكار وانتهت الى ارتفاع جنوني للأسعار ومعدل صرف الدولار، واكتفى رئيسها الدكتور حسان دياب أخيرا بإعلان «موقف حاسم» برفض رفع الدعم أو حتى ترشيده مقدّما بديلا وحيدا هو البطاقة التمويلية التي متى صرفت بالليرة اللبنانية ستضاف الى الكتلة الضخمة من ليرات التداول التي ارتفعت من ١٠ ترليونات الى أكثر من ٣٠ ترليون ليرة في عام واحد!! وستزيد التضخم دون أن تخفض الأسعار بما يستحق فيها قول أبي فراس الحمداني:
وقال أصحابي الفرار أو الردى فقلت هما أمران أحلاهما مرّ!
وهكذا تضيق الفرص أمام مقومات المعيشة وسبل الحياة والبقاء للشعب اللبناني وتنهار الخطط والبدائل المتعددة لوقف الاحتكارات على غرار مشروع قانون إلغاء حماية الوكالات الحصرية الذي تقدم به الرئيس رفيق الحريري قبل حوالي عشرين عاما وما زال في أدراج اللجان النيابية برغم كل ما تشكّله الاحتكارات على حرية الاقتصاد المنصوص عليها في الدستور، وبرغم كل ما تضمنه المشروع من نصوص يؤدي تنفيذها الى خفض أسعار السلع لمختلف فئات الشعب اللبناني. ومع ذلك واجه المشروع حملة تعبئة طائفية ردّ عليها الرئيس الحريري يومها بأنه غير صحيح ان الوكالات الحصرية في لبنان مقتصرة على طائفة محددة من اللبنانيين بل العكس فهي تشمل التجار المسلمين والمسيحيين، والمشروع هو لمصلحة البلد وليس لفريق دون آخر. وانه كان يرغب بقوة أن يأخذ الناس والرأي العام الوقت الكافي لمناقشة المشروع إلا ان الطريقة التي تعاطى بها بعض السياسيين والاقتصاديين في الموضوع والتي ذهبت بهم الى حد الإثارة الطائفية والمذهبية وتصوير الأمر وكأنه استهداف لفئة من اللبنانيين هو ما شجّعه على استعجال إقرار المشروع بإرساله الى مجلس النواب. حيث ما زال قابعا في الأدراج منذ مناقشته في جلسة مجلس الوزراء في العام ٢٠٠٢ وبعدها في جلسات عدة للجان النيابية على مدى سنوات.
والآن..
وأمام الاتجاه الى رفع الدعم عن الجزء الأكبر من السلع الأساسية والضرورية بما يهدد بالمزيد من المخاطر الاقتصادية والأمنية، ألم يحن الأوان لنفض الغبار عن هذا المشروع ودراسته وإمكان تعديله والاستفادة من إيجابياته ومن كافة المشاريع والمقترحات التي تمنع الاحتكار وتخفض الأسعار بالسماح باستيراد السلع على اختلافها ضمن شروط وموجبات الرقابة الصحية والتقنية وسواها، وبما لا يلغي بالضرورة الوكالات التجارية وما تتضمنه من ماركات محددة كما في العديد من البلدان، إنما تفتح الباب واسعا أمام المنافسة وحرية الأسواق التي تعتبر الشرط الأهم في مفاوضات لبنان مع منظمة التجارة العالمية W.T.O وغير مستبعد أن تكون أحد المواضيع في المفاوضات المحتملة مع صندوق النقد الدولي.