هل لبنان مضطر للجوء الى صندوق النقد الدولي، كل ما يعنيه هذا اللجوء من شروط قاسية نقدية ومالية واقتصادية واجتماعية وشعبية.. وسياسية.
خبراء يقولون ان هذا «الملاذ الأخير» هو الأصعب، لا سيما ان صندوق النقد يقبل عادة بالدخول على خط «الدول المحتاجة» كما حال لبنان الآن، عندما يشعر أن تراجع الوضع المالي والنقدي لهذه الدولة، يهدد بفقدان ما له عليها من ديون، فيفرض عليها ما يناسبه من الشروط التي يفرضها المصرف العادي على المدين من اجراءات تكون عادة قاسية جدا، لأن هدفها ليس انقاذ المدين أو ارضائه، بل استعادة ما له عليه من ديون وانه في مجال المصارف، ليس هناك «صدقات» ولا «صداقات» من أي نوع، بل أرقام صارخة لا تترك مجالا لأي صوت سواها يسميها عادة أهل اليسار مجرد «استعمار» بالمال وصولا الى السياسة، أو بالسياسة وصولا الى المال. وفي الحالتين رهان خاطيء أو مدمر لطرف واحد هو غالباً الطرف المدين لا الطرف الدائن .
وأما الحالة الثانية التي يتدخل بها صندوق النقد الدولي، فهي صفة «الاستشاري»، وقد حصل سابقاً في مناسبات عدة أن قبل الصندوق هذه المهمة التي قد تؤدي أحيانا - بما يقدمه من استشارات - الى ضغوطات غير مباشرة، في اجراءات غير شعبية من نوع خفض الدعم والمكتسبات العمالية والشعبية، وعصر الانفاق بما يؤدي في العديد من الحالات مقومات النمو الاقتصادي، وهذه الاجراءات القاسية لا تواجه احياناً من قبل معارضة سياسية محلية فقط، بل حتى من فريق ال تطرفاً داخل الصندوق لديه وعي اكثر نسيباً تجاه اي مقترحات من شأنها أن تثير الحراكات الشعبية أو الفوضى الاجتماعية والسياسية.
ليبقى السؤال: هل أن لبنان بوضعه النقدي والمالي والاقتصادي الحالي، مضطر للجوء الى الصندوق.
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بين كثيرين من المعترضين على هذا «اللجوء» يرى المسألة من زاوية مصرفية في خانة المطلوبة والمطلوبات، وبأرقام تصل الى نتيجة ان السيولة المصرفية في لبنان تتحسن تدريجيا نحو نقطة الأمان، حيث لا حاجة لا لصندوق دولي ولا الى «قص شعر» الودائع، وان ما لدى لبنان من احتياطيات جاهزة وقادمة تمكنه من اعتماد المثل القائل «ما حك جلدك مثل ظفرك» ومنها على صعيد السيولة ان القطاع المصرفي ليس لديه فقط الـ31 مليا ردولار الاحتياطيات النقدية الجاهزة لدى مصرف لبنان، اضافة الى الاحتياط الذهبي بحوالي 13 مليار دولار، (بما مجموعه نقدا وذهبا بـ44 مليار دولار)، وانما أيضاً رساميل مصرفية مقبلة 4 مليارات دولار تدريجيا من الآن حتى نهاية حزيران 2020 (والمصرف غير القادر على زيادة راسماله سيدخل مصرف لبنان مساهما فيه بالمبلغ) مضافا حوالي 300 الى 400 دولار شحنات شهرية بالدولار نقدا الى لبنان من المصارف اللبنانية في الخارج و1 مليار دولار من الاحتياطيات لن توزعها المصارف على المساهمين.
وأما على صعيد المطلوبات، فقد انخفضت الآعباء النقدية على المصارف مع تراجع حجم الودائع 10,1 مليار دولار بين ايلول ونهاية تشرين الثاني 2019 منها 3 مليارات دولار سحبت نقدا من المصارف خلال تلك المدة بالدولار أو بالليرة، اضافة الى 15 مليار دولار سددت من أصل القروض المتوجبة على المدينين ويبقى أخيراً الحل المطروح كجزء من العلاج: تعويم سعر صرف وترك الليرة أسيرة التموجات والمضاربات، بكل ما يعنيه هذا التعويم من مخاطر على القوة الشرائية لعدد كبير من اللبنانيين العاملين وغير العاملين، ووجهة نظر المعارضين لهذا الاجراء، - ومنهم حاكم مصرف لبنان - أنه قد يكون حلاً مناسباً لبلاد صناعية يزيد التعويم أو التخصيص فيها القوة التصديرية الضخمة أو القوة السياحية الكبرى، وان لبنان - تصديرا وسياحة - ما زال في خانة «بضع مليارات»؟!