... وجاء عيد العمل الى بلد يزداد فيه عدد العاطلين عن العمل، حيث حنفيات الاستثمار مقفلة، ولا ودائع جديدة أو قديمة تؤدي الى تسليفات مصرفية ولا نفقات استثمارية من ميزانيات عجوزات حكومية ولا استثمارات عربية أو لبنانية محلية أو اغترابية. فيما مداخيل أصحاب الأموال والودائع كانت تؤمّن اما من الفوائد العالية من السندات الحكومية أو الودائع المصرفية، أو من المبيعات العقارية لمقيمين أو مغتربين. وقد ارتفع اجمالي قيمة هذه المبيعات خلال الـ١٥ سنة الأخيرة على الوجه التالي:
خلال الأعوام الخمسة من نهاية ٢٠٠٤ الى نهاية ٢٠٠٨ بلغ المعدل السنوي لقيمة المبيعات العقارية ما بين ٣ و٤ مليارات دولار.
وارتفع من نهاية ٢٠٠٨ الى نهاية ٢٠٠٩ الى ما بين ٥ و٦ مليارات دولار ومن نهاية ٢٠٠٩ الى نهاية ٢٠١٨ الى نحو ٨ مليارات دولار ليواصل الارتفاع بين ٢٠١٩ و٢٠٢٠ الى الذروة بعد امتناع المصارف عن دفع ودائع الدولار إلا بالليرة واقبال المودعين على حماية القوة الشرائية لودائعهم باللجوء الى شراء العقارات ما أدّى الى وصول قيمة المبيعات العقارية في عام واحد ٢٠٢٠ الى ١٤ مليار دولار والى مجموع هذه المبيعات خلال ١٥ عاما الى أكثر من ٣٠ مليار دولار.
الإيجابيات والسلبيات
وإذا كان لهذا اللجوء الى العقار إيجابيته وأهميته لناحية حفظ القوة الشرائية لأموال وجنى عمر المودعين من مقيمين ومغتربين، فان عدم وجود مجالات أخرى للاستثمار غير الفوائد المصرفية والريوع العقارية، يدل على اقتصاد وهيكلية دولة لا تؤمن بجدوى الانتاج بل ترى مصالحها ومصالح مؤسساتها «الوطنية» التي تدور في فلكها والقوى التابعة لها، في إرساء والحفاظ على رابطة نقدية ومالية واقتصادية مع دولرة أجنبية وموارد خارجية سياحية وودائع وتحويلات اغترابية وقروض أجنبية، وآخر همّها الانتاج بالاعتماد على قوة شعبها وما لديه من مواهب وابتكارات وما في أرضها من الثروات والخيرات.
وأما السلبيات فهي بقدر ما ترتفع الفوائد المصرفية المغرية والريوع العقارية المجدية، ينصرف المتمولون عن أي استثمارات انتاجية مهددة بالركود والكساد وهبوط القوة الشرائية المحلية ولا تلقى الدعم الضروري من السلطة الأنانية لزيادة القوة الانتاجية التصديرية والقدرة على مواجهة منافسة سياسة إغراق أجنبية. وبما يؤدي الى ما نشهده اليوم من بطالة قياسية منذ بداية ٢٠١٩ لـ٢٠٠ ألف عامل يشكّلون ١١% من مجموع القوة العاملة البالغة 1,8 مليون شخص، أضيف إليهم حسب الوكالة الدولية للمعلومات ٣٥٠ ألف خسروا وظائفهم في منتصف عام ٢٠٢٠ وبحيث وصلت نسبة البطالة الى ٥٥٠ ألف شخص عاطل عن العمل يشكّلون ثلث مجموع القوة العاملة في لبنان، وارتفعت معدلات الفقر الى ٥٥% والفقر المدقع الى ٢٨% والى عشرات آلاف طلبات الهجرة من «وطن النجوم» الى مصير غير معلوم!