بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 شباط 2019 12:04ص «64» كميل سلامة تنطق بلسان حال كل مواطن لبناني

«رولا بقسماتي» تُعزّز موقعها على خريطة الممثلات النجمات...

حجم الخط
نحن في موسم مسرحي تنافسي جيد. يعنينا كثيراً أن نشهد مخضرمين على الساحة يدخلون بقوة، بثبات، وثقة. ونقرأ في مادتنا هذه ما قدمه الفنان المخضرم والمجرب كميل سلامة على خشبة دوار الشمس - الطيونة بعنوان: (64).
لا إقتباس، ولا إستناد إلى قصة أو فكرة أي مصدر عربي أو أجنبي. ها هو على عادته، إبن بلده، إبن بيئة يحرث في أرضها، ويرصد أوجاعها ومعاناة بنيها بكثير من الشفافية والتواصل والمصارحة المسؤولة.
معلوم أن الـ (64) سن تقاعد الموظف في لبنان. يعني حين ينال تعويضاً، أو يباشر معاشاً تقاعدياً لما تبقى في حياته. هذه الصفة إرتكز عليها نص «سلامة» من خلال الدور الذي يؤديه كموظف في العدلية، يهتم بتوضيب قاعات المحاكم، ولأنه وحيد خلال دوامه يمضي بعض الوقت في محاكاة «الخرقة الصفراء» التي يستعملها في مسح الغبار عن مكاتب العدالة خصوصاً المطرقة التي يستعملها القاضي للفت الإنتباه، أو طلباً للصمت في القاعة.
وخلال حوار بينهما، يتحوّل المشهد إلى مادة حقيقية واقعية، تظهر فيها قاضية شابة جميلة واثقة (تؤدي الدور بمنتهى الحرفية رولا بقسماتي) وتبدأ بمحاكمة راضي (كميل) الموظف، الذي تحول مع الأيام إلى إسم على مسمى، فهو راض بكل شيء في بلده، لا يقول لا، يريد أن يعيش ويستمر حتى لا تدهمه المشاكل التي يُعاينها فيها البلد من حوله... محاكمة تحوّلت معه إلى فرصة ذهبية قال معها كل ما يعني المواطن اللبناني الخاضع لأعباء كثيرة وما زال مع ذلك صابراً، مثابراً، ومراهناً على تحسن الحال، وتبدل هذا الواقع إلى ما هو أفضل.
أسئلة جد شخصية، وإجابات واقعية لا علاقة لـ «راضي» بها إلا من باب أنه لم يرفع صوته يوماً ليقول شيئاً، ومع ذلك يبدو هنا متهماً بقوة، ويصل الأمر إلى حدّ الحكم عليه بأن يقول ما يريد. وهنا تكون ضحكته الساخرة وكأنه يستفهم عمن يحميه، مفضلاً الإنتحار، لكن حتى هذا الحل لا ينقذه من معاناته، وتكون المفاجأة أن المسدس الذي أعطي له كفرصة سانحة لذلك غير محشو، يعني أنه مجبر على العيش في الظروف إياها، ولأنه يتخيل ولا يوجد لا قاضية، ولا محاكمة عاد إلى وعيه، إلى واقعه ليجد حالة أصعب عليه، لقد جاء موظف يبلغه بأنه بات خارج الوظيفة وعليه ألا يأتي إلى عمله فقد بلغ سن التقاعد ولا تعويض.
كل هذا المناخ يُشكّل ترجمة لصور من يوميات اللبناني. ولسان حاله يردد بأن الآتي ربما كان أفضل على أساس أن الوعود تقول هذا، والمسؤولون يُفترض أن يكونوا مسؤولين عن كلامهم رغم أن الظروف والحيثيات أكدت دائماً تقريباً أنهم ليسوا كذلك والسبب دائماً أن الظروف الطارئة هي السبب.
بقيمة فنية، ومستوى فريد في الطرح يعبر الفنان كميل سلامة إلى غايته، أراد التحدث بإسم المواطن العادي، الذي يُعاني ويصمت، يصرخ كل يوم لكن أحداً لم يعلن أنه سمع شيئاً، حتى حين الصراخ في الشارع تظاهرات وتحطيماً ليست ملحوظة في خانة الاعتراض بل الفعل الخارج عن القانون، إذن لا نتيجة، وأي محاكمة لن تجدي لأن العدل ليس موجوداً، ولا سلطة تقدر على فرضه إذا لم يكن نابعاً من النّاس الذين هم أساس المشهد كلّه.
هبة نجم (دور الأم) أدون خوري (الشاهد) يدخلان على خط العمل، الذي يقدم فرصة طيبة لممثلة بدت واعدة منذ بداياتها في المسرح والسينما وحالياً في التلفزيون، ونقصد بها رولا بقسماتي، خيار في محله، وحضور خاص ليس يشبه أي وجه عرفناه، بما يعني أن القادم من الخيارات والأدوار سيكون قيد المراقبة الإيجابية، ففي الفن هناك صعوبات في ولادات جديدة من الفنانين، ومع «رولا» تبدو الصورة مبشرة بنجمة ممثلة فاهمة لموقعها وطاقاتها وتحظى برضى ودعم وتقدير من أهل المهنة، بينما الفنان «سلامة» يسلك دربه إياها، يعرف ماذا يقدم وبجرعات مناسبة وكافية للقول إنه في بلد يُعاني، ومن ضمن شعب تحمل الكثير، ويرفض وهذا هو الأهم أن يُحال إلى «إستراحة التقاعد».