بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 شباط 2019 12:02ص أعمال الفنان النمساوي ايغون شييل أحاسيس تجذب وتسحب الألم

حجم الخط
تتعاظم أحاسيس البؤس التعبيرية  في اعمال الفنان النمساوي «إيغون شييل» (Egon schiele) بجمالية ذات اشكاليات فنية تثير الكثير من الاستنكارات احيانا. الا ان في رسوماته المشحونة بالوجع فلسفة تضعك امام الكثير من الكوارث الطبيعية التي تصيب الإنسان، وتجعل ذلك ينعكس على تعابيره، ويمنحها رؤية مختلفة منها المشوه ومنها الاباحي ومنها الذاتي، الا ان قدرته على استخراج الاحاسيس البصرية يفرض قوة الاستقراء للوحات تجذبك وتسحب منك  الألم،  مما يدفعك الى تأمل عمق المعنى البارز من الالوان قبل الخطوط، كأن اللون وتدرجاته لا يقل اهمية عن الخط وتعاريجه او ليونته، وان بدا متأثراً بالفنان «غوستاف كليمت» الا انه متمكن من كسر جمود التعابير المأساوية ومنحها النبض الجمالي الذي يتضاد مع المعنى، كأنه يسعى الى الالم لخلق التعابير حسيا، وباستثارة اسلوبه المحمل بالجمال البائس ان صح القول. فهل تحمل لوحاته رؤية فنية مصدرها البؤس الذي يصيب الإنسان ويجعل من تعابيره شكلا جماليا مؤطراً بواقع الانسان المر والحلو في آن؟ ام أنه رسم لحظاته الموجوعة وهو من مات في عمر الشباب منتزعا من الجسد الطيني ليونة التعابير التي تتخبط معها النفس وتتركها في حالة استخرجها الى ان انطبعت فيها لوحاته بشكل عام.؟ 
يؤكد الفنان «ايغون شييل» على ضعف الحياة البشرية القائمة على الكوارث المرضية وغيرها التي تصيب الإنسان بشتى الامراض،  كالضعف الجسدي الذي يصوره تعبيريا هزيلا ومترعا باللمسات اللونية المعبرة عن اوجاعه دون تعاطف مع الالوان الصارخة التي تترجم ذاتيته المثقلة بجدلية العيش الكريه في ظل المجتمعات الفقيرة والمهووسة نفسيا بأمراض اجتماعية الجنسية منها والاختلال العقلي والامل بالعيش العائلي السليم دون توارث لتعاسة تتسلسل معها الاحداث المؤدية الى التشاؤم والخوف من الموت والشيخوخة والذبول المرتبط بحالات الحب والجنس والولادة وفقدان الانوثة والرجولة، وما الى ذلك من احاسيس داخلية تنعكس بمجملها على الحياة البشرية وتؤدي الى الامراض والاوجاع والالم والاكتئاب والتعاسة،  كل ذلك يضعه ضمن حركة الجسد والعضلات والتعابير الظاهرة على الوجه وتفاصيل الجسد بأكمله، كأنه ينحت بالقلم او بالالوان وريشة هشة تنسجم مع مواضيعه التي يرسمها بتقنية التخيلات اللونية المسلط عليها الضوء بخفوت مدروس ليوحي بنغمة التعاسة في رسوماته التعبيرية المحتفظة برونق القلم الرصاص والفحم والغواش والالوان الاخرى محتفظا بتأثيراته الخاصة على كل وجه او جسد يرسمه  كالخربشات اللونية على اليد والاصابع والفم والجبين  بتنسيق ساكن، وان ضجت به اللمسات اللونية الصغيرة التي تجسد التشاؤم والالم والتعاسة والخوف من الموت. 
قهر وجمال ولوحات تجعلني اضع حولها الف علامة استفهام وسؤال، ابرزها ما سر قوة التعبير التي تجذب البصر الى شخوصه والتعاطف معها،   فالمواقف المرتبطة بالمومسات او بحاجة الانسان الآخر او حتى الميت الحي او العكس الحي الميت من خلال عكس معنى الألوان والتوجس من الحروب المؤثرة على تشتت الانسان واصابته بالكثير من الأمراض التي تشهد على التفكك البشري،  بتوازن بصري يوضح من خلاله القلق النفسي الذي يصاب فيه الإنسان في اغلب مراحله العمرية ان من حيث التعبيرات والرموز اللونية او من خلال هشاشة الالوان التي ترمز الى هشاشة الحياة والمخاوف من احداثها المؤثرة على الفرد او الشخصية التي يرسمها بتأن ذاتي شعوري يميل الى تفجير كوامن الحس العاطفي الذاتي فيشعر المتلقي بمصداقية التعبيرات واوجاعها والتعاطف معها لفهم اهمية الانسان وحقه في العيش ضمن الالوان التي تنسحب منها بهجة الحياة رغم حرارتها او قوتها او حتى خطوطها التي تحدث دهشة غرائبية ازدواجية تصدم الحس البصري في اول الامر ومن ثم مأساوية المعنى التعبيري المتناسب مع غرابة هذا الفن التشكيلي التعبيري مضمونا وبتشكيل تتوهج فيه النفس الانسانية ومآسيها.